ترجمة خاصة - شبكة قُدس: كتب الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي سيفر بلوتسكر مقالة في صحيفة يديعوت أحرونوت تناول فيها خلفيات المظاهرة الكبرى التي شهدتها تل أبيب مطلع الأسبوع، معتبرًا أن التضامن مع قضية الأسرى كان المحرك الأساس لنزول مئات الآلاف إلى الشارع، لكنه لم يكن وحده. فالسخط الجارف على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو كان السبب الأوضح لتدفق الجماهير، التي يرى بلوتسكر أن 99% منها مقتنعون بأن نتنياهو يطيل أمد الحرب فقط ليبقى في الحكم، على الأقل إلى أن ينتهي من محاكمته الجارية. ويذكّر بأن مصداقية نتنياهو كانت دائمًا موضع شك، لكنه لم يصل يومًا إلى هذا الحضيض.
ويصف بلوتسكر كيف تحولت الشكوك القديمة تجاه نتنياهو في أوساط المحتجين إلى موجة غضب عارم، لدرجة أن مجرد ذكر اسمه كان كافيًا لإشعال صافرات استهجان في قلب المظاهرة. وبرأيه، لم يكن المشهد إنسانيًا بحتًا كما حاول البعض تصويره، بل سياسيًا صريحًا يعكس أزمة ثقة شاملة. ويضيف أن محاولات نتنياهو المناورة بين صفقات جزئية لإطلاق الأسرى وصفقات شاملة لم تُقنع أحدًا، إذ اتُهم بالخداع في الحالتين: حين رفض الصفقة الكاملة، وحين عاد وتبنّاها. حتى عندما قدّم مقترحًا مكتوبًا لوقف الحرب تلاه إطلاق سراح الأسرى، قوبل بالرفض على أنه مجرد محاولة جديدة للمراوغة.
ويضرب مثالًا آخر على غياب المصداقية، حين أعلن نتنياهو أن "إسرائيل" ستعتبر نفسها حرّة في استئناف القتال ضد حماس بمجرد الإفراج عن آخر أسير، ما جعل الحركة ترفض من الأساس أي التزام من هذا النوع. وفي المقابل، يلاحظ بلوتسكر أن جنرالات متقاعدين في الجيش يقولون العكس تمامًا: “لتوقّع الحكومة ما تشاء، وبعد عودة الأسرى يمكن دائمًا استغلال أي فرصة للعودة إلى الحرب”. الفرق هنا ـ كما يشدد ـ ليس في الكلمات أو الصيغ، بل في النوايا، وهي ما لا يصدّقه أحد عند نتنياهو.
ويتابع بلوتسكر أن الشك لم يعد محصورًا بالمعارضة أو بجمهور المتظاهرين، بل أصبح شعورًا عامًا في "إسرائيل"، يشمل اليسار واليمين والمتدينين والعرب على حد سواء. الجميع، كما يقول، يعتبر نتنياهو اليوم رمزًا لسياسة فاسدة ومنحطة بلا كوابح أخلاقية. أما المجتمع المدني الإسرائيلي، الذي يصفه بلوتسكر بأنه “العمود الفقري المدهش” للدولة، فقد أطلق صيحة سياسية واضحة في الشارع: “فقط لا بيبي”.
وفي خاتمة مقاله، يقرّ بلوتسكر بأنه شخصيًا فقد ثقته بصدق نتنياهو منذ سنوات طويلة، حتى حين كان يوافق أحيانًا على بعض قراراته. ويكتب ساخرًا: “عندما يقول نتنياهو صباح الخير، أذهب تلقائيًا لإضاءة النور في البيت لأن الليل قد حلّ”. ويترك الحكم للقراء ليفصلوا بين الموقف السياسي والاستنتاج الواقعي، لكنه يلمّح بوضوح إلى أن التجربة مع نتنياهو جعلت هذا الانعدام في الثقة أمرًا بديهيًا.