"نفعل للحكومات ما لا تستطيع فعله لنفسها، حتى لو تحدثتَ مع نتنياهو الآن، فهو سعيدٌ جدًا بما نفعله هنا، وبخططنا أيضًا، لكنه لا يستطيع البوح بذلك".
هذه هي زعيمة المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، دانييلا فايس، تتباهى في مقابلة بخططها وإجراءاتها ضد الفلسطينيين، من خلال انتهاك القانون الدولي عبر تكثيف الاستيطان واعتداءات المستوطنين في الأراضي المحتلة.
في مارس 2025، رُشِّحت لجائزة نوبل للسلام لجهودها في تأسيس مجتمعات يهودية.
يعكس تباهي دانييلا بالتوسع الإسرائيلي الممنهج واعتداءات المستوطنين متانة العلاقات بين المستوطنين والحكومة الإسرائيلية، فلماذا لا يكون هناك وزراء إسرائيليون يعيشون في مستوطنات غير شرعية في الضفة الغربية المحتلة، مثل وزير المالية بزلائيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
يُكرر نتنياهو حديثه عن دور إسرائيل في حماية أوروبا، ناهيك عن تضليله للمجتمع الدولي بإقناعه بأن "إسرائيل الديمقراطية" تعيش في "الغابة العربية" لإنقاذ الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
في عام 2016، طالب وزير الإسكان الإسرائيلي آنذاك بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية لاستيعاب المهاجرين الفرنسيين، تزامنًا مع جهود الوكالة اليهودية للهجرة لاستقدام ١٠٠ ألف مهاجر إلى إسرائيل، في انتهاك واضح للقانون الدولي.
تجدر الإشارة إلى أن نتنياهو كان رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، وقد زار فرنسا برفقة وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان لتشجيع سياسة الهجرة.
واتبعت الحكومات الإسرائيلية اللاحقة نفس السياسات لاستقدام المهاجرين على حساب الفلسطينيين، حتى أن نتنياهو نفسه كتب في كتابه "مكان تحت الشمس" أن الدولة الفلسطينية تُشكل خطرًا داهمًا على إسرائيل، وأن الضفة الغربية وغور الأردن هما جوهر الأمن القومي الإسرائيلي.
أشير إلى هذه التصريحات والمواقف الصادرة في أوقات مختلفة عن قادة المستوطنين والمسؤولين الحكوميين والمؤسسات والهيئات الإسرائيلية، لإظهار رد فعل المجتمع الدولي الذي لم يفعل شيئًا لوقف هذه الممارسات والانتهاكات، من أجل إنقاذ عملية السلام وفرض القانون الدولي، بما في ذلك إقامة دولة ذات سيادة للفلسطينيين.
كلام فارغ
بسبب ضعف موقف المجتمع الدولي، يُصعّد المتطرفون الإسرائيليون هجماتهم ويُكثّفون خططهم لضم الأرض وتهجير أهلها.
هذه بعض ردود الفعل الباردة من المجتمع الدولي على الانتهاك الصارخ للاتفاقيات الدولية في الأراضي الفلسطينية:
• من جهة، تلقى الفلسطينيون مئات التصريحات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة حول حقوقهم المشروعة، لكن لم يكن هناك أي إجراء ميداني لمنع هجمات المستوطنين الإسرائيليين، أو تحويل التهديدات إلى إجراءات فعلية ضد إسرائيل، وهو ما التزم به الاتحاد الأوروبي.
• رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن المستوطنين، واستضافت سموتريتش وبن غفير، رغم سكنهما في مستوطنات غير شرعية في الضفة الغربية المحتلة. شجعت هذه الخطوات المستوطنين على تسريع وتيرة عنفهم ضد الفلسطينيين. من ناحية أخرى، أدى غياب المساءلة، من خلال تجاهل توصيات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، إلى شعور إسرائيل بأنها فوق القانون، وشجع السلوك العدائي للمستوطنين والجنود ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم.
• استضافت الولايات المتحدة نتنياهو مرات عديدة في البيت الأبيض رغم صدور مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية. كما استضافته المجر، العضو في الاتحاد الأوروبي والمحكمة الجنائية الدولية، رغم صدور مذكرة توقيف دولية.
• تُصدّر المصانع الإسرائيلية في مستوطنات الضفة الغربية بضائعها إلى عدة دول حول العالم، مما يعزز نفوذ المستوطنين. في الوقت نفسه، أصبحت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) خارجة عن القانون، مما ساهم في تخويف أنصار الفلسطينيين لصالح المستوطنين.
• دفع منع الرواية الفلسطينية، مع نشر أخبار كاذبة عن الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، المتطرفين إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة في انتهاك القانون الدولي.
• تسهيل حكومات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عملية دعم المنظمات الاستيطانية، بالتزامن مع منع أي دعم للفلسطينيين. هذا أقنع المستوطنين الإسرائيليين بحقهم في محو الوجود الفلسطيني وتطبيق سياسة التطهير العرقي والتهجير.
• كان إلغاء مؤتمر الأمم المتحدة حول حل الدولتين صفعةً للحقوق الفلسطينية، وتأييدًا مباشرًا للمستوطنين.
• يُعدّ قرار الاتحاد الأوروبي الأخير برفض تعليق اتفاقية التجارة والتعاون مع إسرائيل خطوةً رئيسيةً في دعم المشروع التوسعي الإسرائيلي في المنطقة وشرعنة سياساته. وقد شجع ذلك المستوطنين الإسرائيليين على مزيد من التصعيد، وانعكس سلبًا على مصداقية الاتحاد الأوروبي وتاريخه.
مهدّت هذه المواقف من المجتمع الدولي الطريق لمزيد من الانتهاكات والتغييرات الميدانية من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين. فكلاهما يتمتع بتنسيق عالٍ لتنفيذ المخطط الهادف إلى إقامة دولة المستوطنين في الضفة الغربية التي أطلقوا عليها اسم "يهودا والسامرة".
لم يبقَ وقتٌ أمام دعاة العدالة حول العالم لإنقاذ قطاع غزة: ضحية الإبادة الجماعية، والضفة الغربية: ضحية الضم العنصري.
إنقاذ الإنسانية والأخلاق يقع على عاتق المجتمع الدولي، الذي يواصل ممارسة سياسة الكيل بمكيالين التي أصبحت ذريعةً لفجور الاحتلال.