شبكة قدس الإخبارية

يوم القدس العبري في ظل معركة رفح

thumbs_b_c_11855c76b46056420cc7af040cf1bce2
عبد الله معروف

قبل ثلاثة أعوام اشتعلت معركة غير مسبوقة سُميت "سيف القدس" في كافة الأراضي الفلسطينية يوم الثامن والعشرين من رمضان، الذي وافق في ذلك الوقت ما يسمى "يوم القدس" في التقويم العبري. وهو ذكرى احتلال الشطر الشرقي من مدينة القدس في 7/6/1967 في اليوم الثالث من حرب النكسة المعروفة باسم "حرب الأيام الستة".

هذه الذكرى بالتاريخ العبري تحل هذا العام متزامنةً مع ذكرى النكسة الفلسطينية التي بدأت يوم الخامس من يونيو /حزيران. وتأتي لأول مرة في ظل الحرب الشعواء التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي قبل أكثر من ثمانية أشهر.

هذا الأمر يعطي هذه الذكرى هذا العام نكهةً خاصة، إذ لطالما كانت هذه المناسبة يومَ استعراض قوة لليمين الإسرائيلي في القدس، عبر ما يعرف بمسيرة الأعلام السنوية التي تنطلق من باب الخليل في البلدة القديمة، وتتجه إلى باب العامود، لتدخل البلدة القديمة وتخترق قلب الأحياء العربية في القدس باتجاه منطقة حائط البراق، لتنتهي هناك بمظاهرة كبرى، هذا إضافةً إلى اقتحامات المسجد الأقصى المبارك المكثفة في هذا اليوم في العادة.

وفي ظل الانقسام والتشظي الإسرائيلي اليوم مع الحرب الشعواء في غزة، فإن اليمين الإسرائيلي بزعامة الثنائي سموتريتش- بن غفير، لا بد أن يسعى لاستعراض قوته لا في وجه الفلسطينيين فقط، بل في وجه الإسرائيليين الذين ملؤُوا شوارع البلاد احتجاجًا على تجاهل حكومة نتنياهو اليمينية قضية الأسرى الإسرائيليين الموجودين في قبضة المقاومة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان بن غفير قد أعطى  الضوء الأخضر بالفعل لمرور مسيرة الأعلام المزمعة في يوم القدس العبري يوم الخامس من يونيو/ حزيران الجاري من باب العامود بالقدس.

خصائص احتفال هذا العام

إن ما يميز يوم القدس العبري هذا العام عدة اعتبارات مهمة:

أولها كونه يأتي خلال مرحلة الحديث عن الهجوم الإسرائيلي على رفح، والتي خفتت حدتها كثيرًا بعد سلسلة العمليات الفاشلة والهزائم القاسية التي مني بها الجيش الإسرائيلي في جنوب وشمال غزة مؤخرًا، خاصةً بعد إعلان المقاومة عن أسر جنود في عملية جباليا، فضلًا عن تمكنها من قصف تل أبيب مجددًا بعد كل هذه الشهور من القتال.

وثانيها هو كون هذا اليوم يأتي في خضم تصدّع واضح أصاب حكومة نتنياهو، سيؤدي في النهاية إلى سقوطها، حيث انتقلنا من التهديدات بإسقاط الحكومة والذهاب لانتخابات جديدة إلى بدء خطوات التنفيذ فعليًا على يد غانتس الشريك في مجلس الحرب الإسرائيلي.

يأتي يوم القدس العبري هذا العام في وقت ما زالت فيه رفح تتصدر الأنباء، وإن خفّت قليلًا، حيث فشلت كل محاولات إسرائيل لحشد الرأي العالمي لعملية غير محددة المعالم هناك، خاصةً بعد انتشار صور المجازر البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مخيمات النازحين الفلسطينيين المدنيين في رفح قبل أيام.

ويبدو واضحًا أن عملية رفح التي حاولت إسرائيل حشد الرأي العالمي لتأييدها قد فشلت بالفعل قبل أن تبدأ بالشكل الذي كانت تخطط له؛ فالصور البشعة التي خرجت للعلن لقطع رؤوس الأطفال وحرق المدنيين العزل أنهت آمال نتنياهو بالحصول على أي تأييد عالمي لهكذا خطوة، ولم يعد أمامه إلا محاولة البحث عن طريقة للنزول عن الشجرة التي علق فوقها منذ ثمانية أشهر، وهذا ما ظهر نهاية شهر مايو/ أيار الماضي حين حاول الرئيس الأميركي أن يقدم لنتنياهو حبل النجاة عبر إعلان مبادرة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وإن لم يكن واضحًا بعد مدى استعداد نتنياهو للوصول إلى اتفاق والتخلي عن حلفائه في الحكومة.

من ناحية أخرى، بين تهديدات تيار الصهيونية الدينية بالانسحاب من الحكومة في حال إعلان وقف إطلاق النار، وتقديم حزب غانتس الشريك في حكومة نتنياهو مقترحًا لحل الكنيست والحكومة بالفعل، فإن يوم القدس العبري يأتي كمحاولة أخيرة لتيار الصهيونية الدينية لإبقاء نفسه بصورة الحزب القوي المتماسك عبر استعراض قوته في الشارع، وهو اليوم يخوض معركةً حقيقيةً لإثبات الذات.

بات هذا التيار يفهم أن مركز قوته الرئيسية الذي يمكنه من خلاله التعبير عن رأيه بقوة واستعراض حضور ما له في الشارع دون الاضطرار لدفع ثمن كبير اليوم هو القدس. وقد شاهدنا كيف كان رد بن غفير على إعلان إسبانيا والنرويج وأيرلندا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث رد باقتحام المسجد الأقصى المبارك، وإعلان عزمه الانتقال للسكن في "مستوطنة" في غزة بعد انتهاء الحرب من قلب المسجد الأقصى!

واختيارُ بن غفير هذه الطريقة للرد على هذا الإعلان، يعني أنه بات يرى أن ملعب تيار الصهيونية الدينية الذي يستطيع فيه أن يقدم نفسه ويستعرض عضلاته دون خوف هو القدس والمسجد الأقصى.

كما أن بن غفير أعلن قبل أسبوع اعتزامه تنظيم مؤتمر في مبنى الكنيست بالتعاون مع ما يسمى "إدارة جبل المعبد" غير الرسمية التي شكلها ما يسمى "اتحاد منظمات المعبد" المتطرّف يوم الثاني من يونيو/حزيران الجاري بعنوان: (عودة إسرائيل إلى جبل المعبد)؛ لمناقشة كيفية تغيير هُوية المسجد الأقصى المبارك نهائيًا، وتغيير الوضع القائم فيه، أي قبل ثلاثة أيام فقط من حلول يوم القدس العبري، ليأتي في اللحظة الأخيرة، ويعلن في نفس يوم المؤتمر عن تأجيله حتى الرابع والعشرين من شهر يوليو/ تموز القادم. بمعنى آخر، تمّ إفراغ المؤتمر من مضمونه بتأجيله بهذه الطريقة.

تساؤلات

وهنا نواجه سؤالين يتعلقان بالصلة بين تحضيرات يوم القدس العبري وبين ما يجري في رفح:

الأول: هل يمكن القول بعد النظر في طريقة سير الأحداث الأخيرة في رفح؛ إن قوة اليمين المتطرف ولا سيما تيار الصهيونية الدينية في إسرائيل تتجه للهبوط بعد أن شهدت تصاعدًا غير عادي في الشهور الماضية؟ وهل إلقاء الإدارة الأميركية الحالية كل ثقلها باتجاه مبادرة وقف إطلاق النار وصفقة التبادل التي أعلن عنها الرئيس الأميركي، بالإضافة للاعترافات الأوروبية المتوالية بالدولة الفلسطينية، يدل على أن النظام العالمي قرر إنهاء قوة اليمين الديني الإسرائيلي والتخلص من عبئه أخيرًا؟ وبمعنى آخر: هل قرروا "إنقاذ" حليفتهم إسرائيل من هذا التيار؟

ما يدعو لهذا التساؤل، هو أن الانتقادات الحادة التي كنا نسمعها في الشهور الماضية لتيار الصهيونية الدينية لدى الدوائر السياسية الغربية كانت لا تتجاوز الانتقادات اللفظية، وفي المقابل كنا نرى عناد نتنياهو بالتمسك بحلفائه في الحكومة اليمينية، بما كان يوحي بأنه مطمئن تمامًا إلى عدم إمكانية تغير طريقة تعامل القوى العالمية الغربية مع حكومته، مهما كانت القرارات التي يتخذها، ولذلك فقد كانت أولويته الحفاظ على حكومته بأي ثمن لحماية نفسه من الملاحقة بما أن ظهر حكومته مؤمن بالفعل.

لكننا هذه المرة رأينا أن هناك تغييرًا ما في كيفية تعامل النظام العالمي مع الوقائع في غزة، وجنوحًا حقيقيًا نحو وقف الحرب، لا لمصلحة الغزيين بالطبع، بل للحفاظ على مصلحة إسرائيل التي بدت عاجزةً تمامًا أمام هجمات المقاومة الأخيرة.

أما السؤال الثاني فيحمل اتجاهًا آخر، ويتعلق بالشعب في القدس والضفة الغربية بالذات، ما سرّ الثقة الكبيرة لدى اليمين الإسرائيلي وتيار الصهيونية الدينية حاليًا بعدم تسبب استعراضات قوته في القدس أو المسجد الأقصى بردود أفعال شعبية واسعة؟ هل كان لغياب رد الفعل الشعبي في الأيام الماضية دور في طمأنة بن غفير والأجهزة الأمنية الإسرائيلية على حد سواء بإمكانية المناورة في القدس بحدود استعراضات القوة النظرية في الوقت الحالي دون التخوّف من اشتعال القدس؟

لا بدّ هنا من القول إن تأجيل كل العمليات التي خطط لها اليمين الصهيوني الديني كذبح البقرة الحمراء يوم عيد الفطر، وتنفيذ القرابين الحيوانية في المسجد الأقصى في عيد الفصح العبري، والآن تأجيل مؤتمر بن غفير في الكنيست لتغيير هوية المسجد الأقصى، كل ذلك كان على الأرجح بقرار مباشر من الأجهزة الأمنية الاستخبارية الإسرائيلية، وكان سببه الفعلي التخوف من ردود الفعل الفلسطينية التي يمكن أن تنتشر كالنار في الضفة الغربية المجاورة للقدس بما يشعل المنطقة بالكامل.

لكن السؤال: هل باتت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ترى أن لدى بن غفير وتيار الصهيونية الدينية هامشًا نسبيًا من حرية التعبير عن قوتهم في الشارع الإسرائيلي داخل القدس، والمسجد الأقصى المبارك ما لم تصل الأمور إلى تنفيذ اعتداءات فاقعة بحجم ما كان يخطط له في الشهور الماضية؟ وعلى أي أساس بنت هذه الأجهزة هذه التقديرات؟

إذا كان الأمر كذلك، فما هي الشرارة التي يمكن أن تشعل الشارع في القدس والضفة الغربية في هذه المرحلة؟

وهل بات الاحتلال يعمل في إطار المساحة الرمادية التي يحتملها الشعب العربي في المنطقة، دون أن يرى فيها شرارةً لاشتعال المنطقة؟

وحتى متى يمكن أن يحتمل الشعب استغلال القدس والمواقع المقدسة فيها على أجندة تيار الصهيونية الدينية قبل أن يقرر التحرّك؟

#يوم_القدس #مسيرة_الأعلام