شبكة قدس الإخبارية

حول متغيرات موقف تركيا من حماس وغزة

حول متغيرات موقف تركيا من حماس وغزة
سعيد الحاج

للمرة الأولى منذ بدء العدوان على غزة، جمع لقاء علني ورسمي بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول، وبدعوة رسمية من الأخير. يستمد اللقاء أهميته أولا من علانيته، إذ حصل على الأغلب لقاء -أو أكثر- بين الرجلين دون إعلان رسمي عنه في وقته، كما يستمدها من سياقه المرتبط أساسا بمستجدات الموقف التركي من العدوان "الإسرائيلي" على غزة ومن التصريحات التي سبقته وتلته من الجانبين.

الحديث عن الزيارة أتى على لسان أردوغان نفسه ثم وزير خارجيته هاكان فيدان الذي اجتمع مع قيادة حماس في الدوحة، حيث قدّم واجب العزاء لهنية باستشهاد ثلاثة من أبنائه وأربعة من أحفاده، إضافة لتداول مستجدات العدوان. كما كان الرئيس التركي، بين يدي إعلانه عن الزيارة/الاستضافة، وصف حماس مجددا بأنها حركة مقاومة وليست منظمة إرهابية، وشبهها بالقوى الوطنية التركية التي خاضت حرب الاستقلال في الربع الأول من القرن الماضي، وهو توصيف لاقى استحسانا شديدا من حاضنة حزب العدالة والتنمية وداعمي القضية الفلسطينية ومقاومتها واستاء منه حزب الشعب الجمهوري المعارض بشكل لافت وعلني.

كما أن الزيارة أتت بعد قرار الحكومة التركية تقييد تصدير 54 منتجا لدولة الاحتلال في التاسع من نيسان/ أبريل الجاري "حتى تعلن إسرائيل وقفا فوريا لإطلاق النار بغزة وتسمح بتقديم مساعدات كافية ومتواصلة للفلسطينيين".

في حينه، رُبط هذا القرار برفض دولة الاحتلال السماح لتركيا بالمشاركة في إنزال المساعدات ومواد الإغاثة لغزة من الجو مثل دول أخرى، لا سيما وأن فيدان أشار لهذا الأمر، إلا أن صدور القرار بعد مدة من الرفض يشير لديناميات مختلفة ومشتركة بين القرار والزيارة/ الاستضافة.

بيد أنه من المهم أولا الإشارة إلى أن القرار شمل "تقييد" التصدير لا "وقفه" وبعض البضائع لا كلها، وأنه تسبب بجدل إضافي في تركيا وخارجها، إذ أثبت أنه كان دائما من الممكن للحكومة التدخل في موضوع التجارة مع الاحتلال رغم أن معظمها يتعلق بالقطاع الخاص، على عكس السردية التي روجها كتّاب ونشطاء مقربون من الحزب، وبالتالي فقد كان قرارا متأخرا مع عدم إنكار إيجابيته.

كما أن نائب رئيس حزب العدالة والتنمية ووزير الاقتصاد الأسبق، نهاد زيبكجي، دعا في تصريحات له قبل أيام لإعادة النظر في القرار واعتماد "عملية فلترة أكثر حساسية" للتجارة مع دولة الاحتلال، مدافعا عن "أقسام في التجارة لا تضر أحدا" مع "إسرائيل" التي "تجمعنا معها اتفاقية تجارة حرة"، ما أوحى باحتمال العودة عن القرار أو تعديله.

وعليه، نكون أمام خطاب جديد لأردوغان وحزب العدالة والتنمية بخصوص حماس (التشبيه بالقوى الوطنية لحرب الاستقلال التركي)، وقرار مستجد بخصوص التجارة مع الاحتلال، ولقاء رسمي وعلني أول منذ بدء الحرب (كان هناك اتصالات هاتفية على الأقل).

بالعودة لنقاش أسباب هذه التحولات ودوافعها الرئيسة، لا يبدو -مجددا- أن الرفض "الإسرائيلي" لمشاركة أنقرة في إلقاء المساعدات من الجو سبب كاف لتفسير كل ما سبق، ما يدعو للبحث عن أسباب ودوافع أخرى أكثر تأثيرا.

المتغير الأول المنطقي هو نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا التي تراجع فيها العدالة والتنمية أمام الشعب الجمهوري للمرة الأولى، واعترف أردوغان نفسه أن موقف حزبه وحكومته من العدوان "الإسرائيلي" على غزة كان أحد أسبابه، حيث قال إنهم "فعلوا كل ما بوسعهم من أجل غزة، إلا أنهم فشلوا في إقناع البعض بذلك"، مشيرا لاستغلال بعض الأحزاب المنافسة لذلك.

مما يدعم هذه الفرضية أن الخطوات المذكورة، وخصوصا القرار المتعلق بالتجارة مع الاحتلال، كانت ممكنة قبل اليوم وعلى مدى شهور العدوان على غزة إلا أنها لم تبصر النور إلا بعد الانتخابات المحلية، رغم أن شيئا جوهريا في الحرب على غزة لم يتغير مؤخرا.

العامل الثاني هو ولا شك صمود شعب غزة ومقاومتها رغم كل جرائم الحرب التي اقترفها الاحتلال والدعم الدولي الذي حصل وما زال يحصل عليه ولا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية. اليوم، يتزايد الحديث إقليميا ودوليا عن فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه من العدوان على القطاع ويزداد زخم الاحتجاجات عليه وعلى الحكومات الغربية الداعمة له وكذلك الدعوات لوقف العدوان وإدخال المساعدات، بل والدعوات لوقف الحرب من داخل دولة الاحتلال نفسها.

كما أنه لا ينبغي إغفال متغيرات إقليمية ودولية على جانب كبير من الأهمية والتأثير في السياق. في مقدمة ذلك ارتفاع حدة نبرة الإدارة الأمريكية تجاه حكومة نتنياهو بخصوص خططه لعملية برية في رفح، مما قد يكون شجع الحكومة التركية على مواقف أكثر حدة منها، إذ أن أحد تخوفات الأخيرة أن تؤدي مواقفها من العدوان لتوتير العلاقات مع واشنطن والرئيس على وشك زيارة البيت الأبيض.

كما أن التوتر الأخير بين إيران ودولة الاحتلال، بما يشمل إنعاش احتمالات توسع الحرب في المنطقة، يبدو ماثلا أمام صانع القرار التركي ودافعا له للعب أدوار أكثر مركزية، لا سيما إذا ما وضعنا في الحسبان حالة التنافس الضمنية بين أنقرة وطهران في الملف الفلسطيني مؤخرا.

وأخيرا، أتت المتغيرات الأخيرة في ظل إشاعات تدّعي بحث حركة حماس عن مقر بديل للدوحة، بدعوى أن الأخيرة تتعرض لضغوط أمريكية غير مسبوقة لدفع حماس للقبول بوقف إطلاق النار بشروط مجحفة أقرب لإعلان الاستسلام. وقد دفع ذلك البعض لوضع الزيارة في إطار حديث حماس مع أردوغان لتكون إسطنبول مقرا بديلا للحركة.

ثمة الكثير مما يمكن أن يقال في تفصيل هذه النقطة ونقاشها، لكن بالمقدار الذي تسمح به مساحة هذا المقال يمكن القول إن فكرة استبدال إسطنبول بالدوحة ليست منطقية ولا مرجحة، فلا قطر ستطرد حماس ولا إسطنبول بعيدة عن الأخيرة، إذ تتردد إليها بعض قياداتها بشكل علني بين الحين والآخر، بل إن "إسرائيل" تدعي وجود مكاتب لها على الأراضي التركية كانت ضمن اشتراطاتها لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع تركيا (وهو ما لم يحصل)، كما أنه من غير المنطقي أن تذهب حماس للقاء رسمي وعلني مع أردوغان بهذه الطريقة لطلب بديل عن الدوحة.

المرجح أن تكون تركيا فعّلت دورها كإسناد للموقف القطري وليس منافسته أو سحب البساط من تحته، لا سيما وأن الضغوط الأمريكية حقيقية وخصوصا من بعض أعضاء الكونغرس. كما أن أنقرة تحاول منذ بداية العدوان أن يكون لها دور في الوساطة، وهو ما رفضته حكومة نتنياهو ولا نعتقد أنه حصل تغير ملموس على هذا الصعيد مؤخرا.

السؤال الأهم، ختاما، حول ما بعد زيارة هنية لتركيا هو آفاق الموقف التركي بخصوص العدوان "الإسرائيلي" على غزة والخطوات التي يمكن للحكومة التركية اتخاذها في هذا الإطار، وهي عديدة وتقع في إطار الممكن الذي لن يجلب لها مشاكل مع الإدارة الأمريكية أو غيرها.

تصريحات الوزير الأسبق زيبجكي تلقي بظلال من الشك، لكن ثمة من يرى بأن درس الانتخابات المحلية كان قاسيا وما زال حاضرا ما يدفع للرغبة بخطوات حقيقية هذه المرة، كما أن المتغيرات الإقليمية والدولية تساعد على ذلك، فهل نرى خطوات عملية إضافية من أنقرة تجاه غزة وحماس؟