شبكة قدس الإخبارية

القدس فوهة بركان

ناصر الهدمي

تتسارع الأحداث في مدينة القدس نحو حسم المعركة الحضارية التاريخية في المدينة لصالح المحتل الغازي، فالقدس اليوم ليست القدس قبل اتفاق اوسلو المشؤوم، وبالتأكيد ليست القدس قبل احتلالها، وليست القدس تحت كنف الخلافة العثمانية. تعيش القدس اليوم ظروفا أصعب من الصعب وتواجه محتلا أعلن منذ البداية أنه لا يرى لأهلها حقا في العيش والتواجد فيها فضلا عن المساهمة في بنائها وتشكيل صورتها الحضرية.

بالأمس القريب كانت هجمة سلطات الإحتلال على ساكني عمارة سكنية في حي بيت حنينا من مدينة القدس بحجة السكن في بيوت من دون ترخيص بناء. يحتاج المقدسيون في مدينة القدس ما يزيد على العشرين ألف شقة سكنية سنويا لتلبية الزيادة السكانية الطبيعية لأهل هذه المدينة، بينما توافق بلدية الإحتلال على 15-20 رخصة بناء للمقدسيين، في نفس الوقت الذي يتم فيه مصادرة أراضي المقدسيين ومنح هذه الأراضي للجمعيات الإستيطانية للبناء عليها آلاف الوحدات السكنية داخل الأحياء المقدسية. تسيطر سلطات الإحتلال على أراضي المقدسيين إما بالمصادرة المباشرة بحجة المنفعة العامة وتطوير الأحياء ومن ثم تسليمها للجمعيات الإستيطانية، وإما عن طريق قانون حارس أملاك الغائبين الذي سنته سلطات الإحتلال لتسهيل سيطرتها على أملاك المقدسيين الذين هجِّروا من ديارهم ولم تسمح لهم سلطات الإحتلال بالعودة أو التصرف بأملاكهم.

باختصار الحالة في القدس للمقدسيين منع من البناء، فرض غرامات باهظة على البناء غير المرخص، هدم بيوت، مصادرة أراض وممتلكات، منح هذه الأراضي للمستوطنين بدون وجه حق، وفي النهاية اعتقال من يبني أو يسكن في بيوت بدون ترخيص.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فقد ذكر تقرير أعدته جمعية حقوق المواطن في إسرائيل معطيات حول الفقر في مدينة القدس بينت أن ما يقارب 80% من المقدسيين يعيشون تحت خط الفقر مقارنة مع من يزاحمونهم الحياة في نفس المدينة المحتلة المقهورة من اليهود. وقد خلص التقرير إلى أن هذه النسبة في ازدياد مستمر ولم تأت اعتباطا وإنما جزء من مخطط متكامل لإفقار المقدسيين وتدمير بنيتهم الإجتماعية. لم تكتف سلطات الإحتلال بهذه النتائج المبهرة من جانب الإحتلال، بل كثفت من هجمات عصاباتها الضريبية على الأسواق والأحياء السكنية لجبي المزيد من الضرائب الظالمة نهبا من بيوت وحوانيت المقدسيين العزل.

من جانب ثالث كان التمييز والتفرقة العنصرية سيدا الموقف في غير مكان وحادثة في المدينة، آخرها اعتداء مستوطن على سيدة فلسطينية فقط لأنها فلسطينية، سبقها اعتداء حراس مركز تجاري في ماميلا على شابين مقدسيين وطردهما من المكان لأنهما مقدسيين لا يفترض وجودهما في المكان المخصص لليهود على حد زعم الحراس. هذا غيض من فيض من التوجه العنصري لدى الجمهور اليهودي في مدينة القدس فضلا عن التصريحات العنصرية التي ينعق بها قيادات ومسؤولي الإحتلال البغيض.

على رأس كل هذه الممارسات والسياسات، نجد الإعتداءات المتكررة بشكل يومي على المسجد الأقصى المبارك والتعامل معه على أنه جزء من أرض دولة الإحتلال المقيته والتنكر لكل حرمة أو قداسة تلف المكان كونه أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين. تضرب سلطات الإحتلال بعرض الحائط كل هذه الأهمية والقداسة لضعف ما وجدته حتى الآن من غيرة وحرقة في قلوب الأمة العربية والإسلامية في وجه عمليات التهويد والتدنيس للمسجد الأقصى المبارك.

قد يظن الإحتلال أن محاصرة المقدسيين وخذلانهم يؤمن له طريقا آمنا نحو أهدافه بحق مدينة القدس ومسجدها المبارك، ولكن وبنظرة المتابع الذي يعيش هذه الأحداث والظروف أرى أن القدس ليست على فوهة بركان بل هي الفوهة ذاتها وانفجارها سيكون ما لم تعتد عليه سلطات الإحتلال ولا سلطة رام الله التي بأحسن أحوالها، إن لم تكن متواطئة ضد مدينة القدس فهي مقصرة لا بل محلقة.

يلزمني أن أقول قبل نهاية هذا المقال أن القدس اليوم تتمتع بفقدان قيادة واضحة، وأركز نعم تتمتع وذلك أن أهلها وشبابها سبقوا من كانوا في موقع المسؤولية، سبقوهم في الغيرة والتمسك بثوابت الشعب الفلسطيني فكانوا يتظاهرون باب العامود نصرة للمسجد الأقصى ونصرة للشعب السوري ورفضا ليوم النكبة فيما كان شباب مدن فلسطينية أخرى يملؤون الشوارع نصرة للفن الفلسطيني والإنجاز الثقافي الفلسطيني في برامج العري والفساد.

إن غياب قيادة واضحة في مدينة القدس فوت على الإحتلال السيطرة على شارع القدس وجماهيرها فكانت تخرج وتنتفض دون انتظار إشارة من أحد غير ممارسات الإحتلال الإجرامية بحق المدينة وأهلها، وهذا الذي ميز القدس عن غيرها من المدن، فلا مجال لتخاذل المتخاذلين ولخوف الخائفين.

وختاما أعلم أن المحتل المجرم يعد نفسه لمثل هكذا انفجار، فهل الأمة العربية والإسلامية تعد نفسها لتكون تبعا وسندا لهكذا انفجار، أم أنها ستترك أهل القدس يواجهوا مصيرهم وحدهم كما اعتادوا أن يكونوا دوما رأس حربة العرب والمسلمين؟