كشفت مجريات الحرب الإسرائيلية الغربية على غزة خلال الأسابيع الماضية، تقاعس الإدارة المصرية عن القيام بدورها للتخفيف من معاناة سكان غزة، وتأخر وبطء إدخال المساعدات الغذائية والطبية لعدة أسابيع، وكذلك تأخر إدخال الوقود وصغر كمياته، رغم طنطنة الإعلام الرسمي عن حرب غذاء في غزة، وتوقف المستشفيات والاتصالات بسبب نقص الوقود، مع إلهاء الجمهور بقيام الجنرال بعلاج أحد أطفال غزة، رغم وجود المئات من الجرحى المنتظرين لدخول مصر للعلاج.
وأعلن الجنرال المصري بأن جيشه القوي يحمي الحدود ولا يتجاوزها، ونسي أنه كان قد قصف مواقع ليبية بالطائرات الحربية المصرية في شباط/ فبراير 2015 وكذلك في أيار/ مايو 2017، كما أرسل قوات ومعدات عسكرية لمساندة عبد الفتاح البرهان في السودان، ولم يتخذ أي إجراء عملي تجاه القصف المستمر لسكان غزة لأكثر من أربعين يوما بلا توقف، وقصف المستشفيات والمدارس ومنشآت الخدمات العامة والبيوت على سكانها، وتخطى عدد الشهداء 12 ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء.
وهو كان قد قام بقطع العلاقات مع قطر في حزيران/ يونيو 2017، ومنع طائراتها من الوصول لمصر، لمجرد مسايرة دول خليجية في موقفها من قطر، رغم إضرار ذلك بالعمالة المصرية في قطر واضطرارهم للسفر لبلد وسيط حتى يمكنهم العودة لمصر.
وبينما ينتظر الجرحى الفلسطينيون دورهم في دخول مصر للعلاج، فإنه متاح للسياح الإسرائيليين دخول مدن جنوب سيناء (طابا ونويبع ودهب وشرم الشيخ) بدون تأشيرات منذ عام 1989 وحتى الآن.
معاملة مصرية سيئة مزمنة بمعبر رفح
وإذا كانت إسرائيل تحاصر سكان غزة بريا وبحريا وجويا، منذ انسحابها منه القطاع عام 2005 وحتى الآن، فقد شاركت مصر في ذلك الحصار من خلال إغلاق معبر رفح لفترات طويلة، وإغلاق الأنفاق التي قام سكان رفح الغزاوية بإنشائها، وتم إنشاء جدار حديدي يمتد لمسافات طويلة تحت سطح الأرض، وضح كميات من المياه حتى تنهار الأنفاق الموجودة، رغم تسبب مصر في نشأة الحاجة لتلك الأنفاق، حيث تسبب ترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل بعد معاهدة السلام بينهما عام 1979، في إقامة حاجز حدودي قسّم سكان منطقة رفح نصفين؛ إحداهما منطقة تابعة لمصر وأخرى تابعة لغزة، مما دفع الأُسر التي فصل بينها الحاجز الحدودي للوقوف الدائم عليه للاطمئنان على أحوال على أقاربهم. وبعد أن تم استبدال الحاجز من سلك إلى جدار فولاذي سميك مقاوم للديناميت، أصبحت إمكانية اقامة الأنفاق أكثر صعوبة.
ويظن البعض أن بداية توتر العلاقة بين مصر وحماس تعود إلى فترة فوز حماس بالانتخابات التشريعية أوائل عام 2006 وتشكيلها الوزارة، وقيام السلطات المصرية بإغلاق معبر رفح أمام سكان غزة، كمشاركة للدول الغربية التي أوقفت معوناتها لفلسطين مع فوز حماس في الانتخابات، ومعاقبة الشعب الفلسطيني على ممارسته حقه الانتخابي. كما يربط البعض بداية توتر العلاقات بين مصر وحماس بفترة ما بعد استيلاء حماس على غزة، بعد صراع مسلح مع حركة فتح في حزيران/ يونيو 2007، إلا أن وقائع ندوة أقامها المركز الدولي للدراسات المستقبلية والسياسية المقرب من الجهات السيادية المصرية، حول العلاقات الاقتصادية المصرية الفلسطينية، في مدينة غزة في تموز/ يوليو 2005، أي قبل انسحاب إسرائيل من غزة بشهرين، أشارت إلى معاناة الفلسطينيين خلال العبور من معبر رفح والمهانة التي يتعرضون لها إلى حد الإذلال حسب قول المتحدثين، وأنه إذا رغب شخص فلسطينب بالسفر لمصر فإن إجراءات السماح له تستغرق عشرين يوما.
ولعل أكبر دليل على الحصار المصري من خلال إغلاق معبر رفح، بالتوازي مع الحصار الإسرائيلي، ما حدث في أيلول/ سبتمبر 2005، حين اقتحم سكان غزة الحدود المصرية، ودخلوا إلى مدينة رفح المصرية لشراء بعض احتياجاتهم المعيشية، ومع استمرار الحصار الإسرائيلي والمصري كرر سكان غزة اقتحام الحدود في كانون الثاني/ يناير 2008، لشراء أي شيء يجدونه في المحلات التجارية والصيدليات ومحطات الوقود، نظرا لحرمان أسواقهم من السلع لفترات طويلة. ولطالما طالب رجال الأعمال الفلسطينين خلال لقاءاتهم بالمسؤلين المصرية بإقامة منطقة تجارة حرة، على الحدود بين مصر وغزة، وبما يوفر لسكان غزة إمكانية شراء احتياجاتهم.
غزة وتخفيف مشكلة نقص الدولار المصرية
وهذا المطلب ما زال مطروحا حاليا، وذلك عبر دخول سيارات سلع غذائية مصرية إلى معبر رفح وتفتيشها من قبل السلطات الإسرائيلية، ثم وقوفها بالقرب من المعبر من الناحية الغزاوية لتتيح المجال لسكان غزة شراء تلك البضائع، وهو أمر من شأنه أن يدر موارد من العملات الأجنبية، التي تعاني مصر من نقصها حاليا، حيث يتعامل سكان غزة عادة بالشيكل الإسرائيلي أو الدولار الأمريكي وكذلك الدينار الأردني، حيث لا توجد عملة خاصة للسلطة الفلسطينية.
وإذا كانت السلطات المصرية تُرجع بطء إدخالها للمساعدات لغزة إلى ما ورد باتفاق المعابر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، من مراقبة إسرائيل لشاحنات البضائع الداخلة من معبر رفح إلى غزة من خلال الكاميرات، وعدم دخولها إلا بموافقتها، فقد كان لديها الوقت الكافي خلال السنوات الماضية لتعديل هذا النص، الذي شارك في وضعه والإشراف على تنفيذه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة مع تنفيذ مصر لمطلب الاتحاد الأوروبي بمنع الهجرة غير الشرعية من الشواطئ المصرية إليه.
وإذا كانت السلطات المصرية يهمها الأحوال المعيشية البائسة لسكان غزة نتيجة الحصار المفروض عليهم منذ عام 2005 وحتى الآن، والذي تزيد حدته خلال فترات الحروب التي تنشب بين إسرائيل وغزة، مثلما تم منع الغذاء والدواء والوقود والكهرباء عن غزة خلال عدوان كانون الأول/ ديسمبر 2008، والغزو البري لغزة وقتها، فلماذا لم تسعَ مصر لتنفيذ بنود وارده في اتفاق المعابر لعام 2005، والخاصة بإنشاء ميناء بحري خاص ومطار خاص لغزة، وإنشاء ممر خاص لحافلات الركاب بين غزة والضفة الغربية وممر آخر لشاحنات البضائع، خاصة وأن مطار غزة قد تم إنشاؤه بالفعل وبدأ العمل في تشرين الثاني/ نوفمبر 1998، وافتتحه حينذاك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والذي أطلق اسمه على المطار وبرفقته الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وتكلف 70 مليون دولار، لكن إسرائيل قصفته في أواخر عام 2001 وأصبح غير صالح للعمل منذ ذلك الحين، بل تمت إعادة قصفه عام 2006؟
كذلك اتفقت السلطة الفلسطينية مع شركة هولندية في تموز/ يوليو 2000 لإنشاء ميناء غزة التجاري، وحضر حفل وضع حجر الأساس الرئيس عرفات وبرفقته الرئيس الفرنسي شيراك، لكن إسرائيل قصفت موقع تنفيذ الميناء بما فيه من معدات في أيلول/ سبتمبر 2000، ولم تتم معاودة العمل به منذ ذلك الحين حتى الآن، رغم أنه يحل مشكلة الحصار البري وإغلاق المعابر الإسرائيلية الستة التي تربط غزة بإسرائيل والمعبر المصري عند رفح.
لكن الإدارة المصرية اتخذت مسارا معاكسا ضارا بسكان غزة، حين قامت بتدمير ما بقى من أنفاق أواخر عام 2013، وحتى تصعّب الأمر على إمكانية إنشاء أنفاق جديدة فقد أزالت البيوت الموجودة في الجانب المصري من رفح لمسافات طويلة، وبعدها اعتبرت حماس منظمة إرهابية وحاكمت الرئيس محمد مرسى بتهمة التخابر مع حماس.
وزادت درجة غيظ النظام الحاكم من حماس بعد إنجازها في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ولهذا اتجهت للمشاركة مع إسرائيل ودول عربية لمعاقبتها، وهو ما أضر كثيرا بسكان غزة وما زال ضرره مستمرا، فحتى الماء الذي يعاني أهل غزة من نقص حاد به لم يقم النظام المصري بتقديمه لهم، كما لا يتم السماح للمصريين الراغبين بمساعدة أشقائهم في غزة؛ ليس فقط بمنع الاقتراب من معبر رفح، بل بالمنع من عبور قناة السويس للوصول إلى سيناء.