ذهب مواطن سعودي لأداء الجمعة الأخيرة، وعندما وجد الخطيب يتجاهل الحديث عن قضية غزة، ذهب إليه ليحثه على الحديث عن معاناة أهل غزة، ليتقدم إليه ثلاثة أفراد من رجال الأمن ويقتادوه معهم خارج المسجد.. وفي مصر تُحدد وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة منذ عام 2013، فإذا هي تحدد للجمعة الماضية موضوع الوعي، دون أية إشارة للقصف المتتالي على أهل غزة.
وظن المصلون أنه ربما يعوض الأئمة ذلك بالدعاء لأهل فلسطين آخر الخطبة، لكن شيئا من ذك لم يحدث، وظن البعض أنه ربما تتم دعوة الحضور لصلاة الغائب على أرواح شهداء غزة، مثلما عممت وزارة الأوقاف بذلك قبل أسابيع قليلة، على أرواح شهداء زلزال المغرب وعاصفة ليبيا، لكن هذا لم يحدث بالنسبة لشهداء غزة، لينصرف المصلون وكأنه لا شيء يحدث على الساحة الفلسطينية بالمرة!
وحتى عندما ورد على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه كانت هناك وقفة احتجاجية في الجامع الأزهر للتضامن مع شهداء غزة، ووقفة أخرى لنفس الغرض أمام مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية لنفس الغرض، فإن وسائل الإعلام الرسمية لم تذكر شيئا من ذلك، في نفس الوقت الذي تشير فيه إلى تخصيص مطار العريش المتاخم للحدود الشرقية للبلاد، لاستقبال المساعدات الإنسانية لأهل غزة من دول العالم، ثم نقلها إلى استاد مدينة العريش، الأمر الذي ذكّر البعض بما قام به الرئيس مبارك الذي قام بإغلاق معبر رفح أمام أهل غزة منذ عام 2007، تزامنا مع إغلاق إسرائيل المعابر الحدودية لها مع غزة، ليصبح سكانها بين فكي كماشة، حيث الحصار الإسرائيلي البري والبحري والجوي، وعندما استجاب نظام مبارك حينذاك للضغط الشعبي لإدخال مساعدات غذائية وإنسانية لأهالي غزة، قام بتجميع تلك الأغذية التي جمعتها الجمعيات الأهلية على مستوى المحافظات، ووضعها باستاد العريش وتركها بالعراء عدة أسابيع حتى فسدت، دون أن يذهب منها شيء لأهالي غزة.
حصار عربي للمقاومة
وعندما لجأ سكان غزة لحفر أنفاق ما بين مدينتي رفح المصرية والفلسطينية لتهريب السلع من خلالها، قامت السلطات المصرية بإغلاق تلك الأنفاق وإقامة جدار عازل يمتد للأعماق لمنع الأنفاق، وتلا ذلك هدم بيوت رفح المصرية لمسافات طويلة، وتهجير سكانها للحيلولة دون توصيل شيء لسكان غزة.
وهكذا شاركت غالبية الأنظمة العربية خاصة التي طبّعت مع إسرائيل، والتي في طريقها للتطبيع، في الحصار الحالي على غزة ومنع المياه والكهرباء والغذاء والدواء، وذلك بمنع أية مظاهر جماهيرية للتعبير عن رفضهم للعدوان الإسرائيلي على سكان غزة وقتل أكثر من 2600 منهم حتى الآن، والاكتفاء بمطالبة اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير، بمطالبة الطرفين المتحاربين بعدم التعرض للمدنيين.
ومن المتوقع أن تستمر الأنظمة العربية على موقفها المعادي لحماس، رغم ما يصدر عن هذه الأنظمة من بيانات تشير إلى مساندتها للمدنيين في غزة، المتضررين من القصف الجوي المستمر على مدار الساعة منذ عدة أيام، وضرورة فتح ممر آمن لهم، مثلها مثل موقف النرويج التي لا تربطها بهم صلة الدين واللغة والتاريخ.
3 سوابق للاقتحام البري لغزة
ونتوقع أن تستمر تلك الدول العربية في طعنها بالمقاومة الفلسطينية، بعد أن كشفت مدى وهن وضعف الجيوش العربية، التي عجزت عن التصدي لإسرائيل طوال 75 عاما.
وتدرك المقاومة أن إسرائيل قد شنت حربا على غزة عام 2006، لمجرد أسر جندي إسرائيلي واحد حينذاك، ورغم شن تلك الحرب التي شهدت توغلا بريا بغزة بحثا عن الجندي الأسير، فقد ظل أسيرا لمدة خمس سنوات، حتى تم استبداله مقابل الإفراج عن ألف من الفلسطينيين الموجودين بسجون الاحتلال الإسرائيلي، كان منهم يحيى السنوار القائد الحالي لحماس في غزة.
ويستمر الصهاينة العرب سواء من الحكام أو الأفراد في إثارة الشكوك حول مصير المقاومة، خاصة بعد الانحياز السافر من الدول الغربية إلى جانب إسرائيل، وإرسال بعضها مساعدات عسكرية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، وينسى هؤلاء أن غزة تعرضت إلى اجتياح بري ثلاث مرات قبل ذلك خلال حروب 2006 و2008 و2014، واستمرت المقاومة بل إنها بعد كل حرب من الحروب السبع بينها وبين إسرائيل منذ عام 2006 وحتى الآن، كانت تطور قدرتها الدفاعية في كل مرة، بل إننا أصبحنا نتحدث عن تطوير قدارتها الهجومية.
وأجبرت المقاومة إسرائيل على استدعاء الاحتياطي في الجيش للمرة الأولى منذ حرب 1973 أي منذ خمسين عاما، عندما كانت تحارب جيوشا نظامية لمصر وسوريا، بينما هي حاليا تحارب قوات تقدرها بعض المصادر بحوالي أربعين ألفا من المقاتلين، بينما يصل عدد القوات الدائمة لإسرائيل إلى 160 ألف جندي، وقامت مؤخرا باستدعاء حوالي 300 ألف شخص.
نعم، لكل حرب تكلفة من الأرواح والمعدات والمباني، وهو ما دفعته غزة ومقاوموها طوال 18عاما ماضية، وظلت مستعدة لدفع ذلك الثمن في سبيل تحقيق هدفها الأكبر وهو تحرير فلسطين، وهو الهدف الذي ظنت إسرائيل ومن ورائها بعض العرب أنه من المستحيل تنفيذه، ولذلك وافقوا على اتفاقيات أوسلو عام 1993 وما بعدها، التي تتنازل عن نسبة 77 في المائة من أرض فلسطين التاريخية، وتقنع بسلطنة فلسطينية أشبه بالبلدية، غير مسموح لها بتكوين جيش، وتخضع لإشراف وتحكم إسرائيلي شامل.
وما بالنا لو انضم سكان الضفة الغربية، وما بالنا لو انضم إليهم عرب 1948، وما بالنا لو انضم إليهم الفلسطينيون في الخارج، كل حسب استطاعته بوسائل الدعم المتنوعة؟ وما بالنا لو تم تدعيم هؤلاء بالمقاومة اللبنانية؟ فكم من الوقت ستصمد إسرائيل، وهي التي اعتادت على الحروب الخاطفة والحرب من وراء الجدران وخلف السواتر؟