يمكن القول إن المكاسب التي جناها وزير الأمن الاسرائيلي بيني غانتس من اجتماعه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في منزل الأول أكثر بكثير من التسهيلات المقدمة للرئيس عباس.
على الرغم من الانتقادات اللاذعة من أقطاب اليمين في الائتلاف الحكومي او المعارضة، حظي الاجتماع باهتمام ومتابعةٍ إخبارية وإعلامية كبيرة جداً، لأنه أوَل لقاء رسمي بين عباس ووزير الأمن ومسؤول إسرائيلي كبير في إسرائيل منذ أكثر من عقد من الزمن.
حيث عمل زعيم الليكود ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو على استبعاد الرئيس عباس والفلسطينيين من جدول الأعمال الاسرائيلي الرسمي وغير الرسمي.
وهي امتداد للسياسة الإسرائيلية الجمعية باستبعاد القضية الفلسطينية والاحتلال من جدول الاعمال الاسرائيلي، والتي أسس لها ما يسمى اليسار الإسرائيلي، وبالذات رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك بعد مفاوضات السلام في كامب ديفيد مع القيادة الفلسطينية بالشعار “لا شريك”.
هذه السياسة يمارسها وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس وحزبه وسط يسار، والادعاء بمحاولة التوصل الى حل سياسي مع الفلسطينيين، ويمارس الخطاب الكاذب في إسرائيل ويسوق نفسه بالمعتدل أمام العالم وأنه مؤمن بالسلام.
بيني غانتس أحد أقطاب الحكومة ويحاول أن يسوق نفسه على أنه مؤمن بالسلام، لكنه كما وصفه بعض الباحثين الاسرائيليين بانه أخطر السياسيين في اسرائيل، وليس أقل خطراً من الكهانيين، وهو مصطلح رائج في الساحة السياسية الاسرائيلية يشير الى مواقف عنصرية خطيرة قريبة من تلك التي نادى بها مئير كهانا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
ولم ننسى بعد تصريح بيني غانتس، الذي قال فيه أنه خلال توليه لمنصب رئيس أركان الجيش “رجعت أجزاء من غزة إلى العصر الحجري”، وفي ضوء ذلك فهو أخطر من العنصرية التي يتمتع بها بينت والكين وليبرمان شركاؤه في الحكومة وغيرهما من المعارضة سواء نتنياهو وايتمار بن غفير.
الخطر يتمثل في القدرة على الفعل وليس ما قام به في السابق فقط، إنما يقوم به الآن وهو على رأس وزارة الأمن وقيادة الجيش، وارتكاب جرائم حرب أثناء العدوان على قطاع غزة في أيار/مايو من العام الماضي.
وتسهيل مهمة المستوطنين بإطلاق ايديهم بإرهاب واستخدام العنف من خلال هجمات وعمليات ترويع منظمة يومية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وغض الجيش الإسرائيلي الطرف عنها ودعمها.
وإصدار الأوامر بالقتل في الضفة الغربية، وما يسمى إعادة صياغة قواعد الاشتباك والسماح للجيش الإسرائيلي باستخدام القوة المميتة ضد الفلسطينيين العزل حتى أثناء محاولتهم الفرار، وما نشاهده من عمليات قتل يومية وهي ترخيص مباشر بالقتل.
غانتس هو أحد الأشخاص المقررين في رسم وتنفيذ السياسات الاسرائيلية بتشديد الحصار على قطاع غزة، وهو الذي قال “في موضوع غزة أعود وأكرر، ما حدث في الماضي لن يحدث مجددا. إذا لم يستوعبوا في حماس ذلك حتى الآن فسنحرص على أن يفعلوا. بدون عودة الأبناء والاستقرار الأمني لن يتم إعمار غزة اقتصاديا”.
لم يعد مجال للشك أن الحكومة الاسرائيلية الحالية، وعلى الرغم من تناقض تشكيلتها والتعاون بين مركباتها، اليمين العنصري والمتطرف، وما يسمى الوسط واليسار انها حكومة عنصرية، وتحظى بالشرعية العنصرية.
وبعد سبعة أشهر من تشكيلها أصبحت رؤيتها واضحة وهي استمرار لسياسة الحكومات السابقة، وهناك شبه اجماع بين أطيافها المختلفة أن القضية الفلسطينية ليس من أولوياتها وأن مسار التسوية بخصوصها معلق إلى أجل غير مسمى.
والسياسية الإسرائيلية القائمة هي مواصلة سياسة السيطرة واستخدام القوة. وتوسيع وتعزيز المستوطنات، والتغاضي عن ارهاب وعنف المستوطنين بل ودعمهم، وكل ما قدمه غانتس من تسهيلات للسلطة الفلسطينية.
وتقديم قرض بقيمة 100 مليون شيكل من أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة، ومنح نحو 9500 فلسطيني جمع الشمل والهوية الفلسطينية يعيشوا في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ومنح تصاريح دخول إلى إسرائيل لمجموعة محددة من رجال الأعمال الفلسطينيين وكبار الشخصيات في السلطة الفلسطينية.
الهدف واضح وهو ابقاء الفلسطينيين تحت السيطرة وتجنب انهيار الوضع الراهن، ودعم السلطة اقتصاديا لتمكينها من البقاء والقيام بوظيفتها الاساسية وهي حفظ الأمن والاستمرار في التنسيق الأمني، ومساعدة الجيش الاسرائيلي والاجهزة الامنية الإسرائيلية، وعلى الرغم من موقف جميع مركبات النظام الاسرائيلي من السلطة الفلسطينية لكنهم يقدروا أهميتها من الناحية الأمنية لإسرائيل.
لم يكن هدف غانتس من اجتماعه بالرئيس محمود عباس تحريك ما يسمى العملية السياسية كما يحلم الاخير وتوقعه إطلاق المفاوضات من جديد، والحصول على تطمينات من غانتس بأن الجيش الإسرائيلي سيكبح عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، ووقف الاستيطان والاعتقالات والجرائم الاسرائيلية بحق الفلسطينيين وحصار قطاع غزة والتهديد بارتكاب جرائم حرب جديدة,
بل إن اللقاء منح غانتس شرعية من الجانب الفلسطيني وتبرئته من جميع الجرائم التي ارتكبها والتي قد يرتكبها وارتكبتها دولة الاحتلال من عمليات التطهير الإثني منذ 1948، وطرد وتهجير الفلسطينيين وتهديدها القائم بلسان غانتس وما صرح به من أنه حول قطاع غزة إلى العصر الحجري وتنفيذه الجرائم ضد الفلسطينيين في غزة.
إذاً كان من ارتكب كل هذه الجرائم وارهاب وعنف يومي يتم اللقاء به والاتفاق معه على تجديد العلاقة الامنية والقبول بدور الشرطي في الضفة، وعليه هل أصبحت هذه الجرائم من الماضي ومفروغ منها في عرف الرئيس عباس، وشرعية ومقبولة، ولم يتم التحدث عن الضحايا وانصافهم، والاستمرار بتنفيذ سياسة إجرامية يومياً؟
من الواضح أن القيادة الفلسطينية مستمرة في رؤيتها، وأنه لا يوجد القدرة لدى الشعب الفلسطيني منع هكذا سياسة، حتى في المستقبل القريب لا يوجد أفق بتغيير في النظام الفلسطيني.