ليس العشاق وحدهم من يسهرون الليل فهناك نوع آخر من الساهرين، تجدهم يسرحون يفكرون يبحثون يقلبون سيرتهم الذاتية مرة وأخرى، يرسلونها إلى هنا وإلى هناك، إلى آخر الدنيا، إلى الإمارات، إلى ماليزيا، هي لا تخرج من بريده الإلكتروني بل من قلبه كأته يوصيها أن تأتيه بفرصة. يفحص بريده الإلكتروني عشرات المرات في اليوم ويتأكد أن جرس هاتفه مضبوط على أعلى مستوى ليسمعه إذا جاء الفرج بحسب معتقده.
لسنا بحاجة لكثير من الذكاء حتى نعرفهم، إنهم الذين أعزّهم الله بشهاداتهم وعلمهم، إنهم الخريجون. تتغير حياتهم شيئاً فشيئاً من اليأس وبُعد الأمل والإحباط، ولكن تبقى الثقة بالله نصيرهم وسبب طمأنينتهم. تبدأ المعاناة مع كلِّ لحظة يتذكر فيها الخريج أن عمره اقترب إلى الثلاثين وهو كما لو أن عمره ثلاثُ سنوات لا جديد سوى انتظار فرصة، فكم هو بحاجة ليبني حياته هذا إن جاءت الفرصة.
بالإضافة إلى أن الإنتظار يحسب عليه وقتاً ضائعاً، والبحث في أغلب الأحيان يحسب عليه جهداً ضائعاً ليقضي خمس عمره في وقت وجهدي ضائعين، وتبقى فكرة واحدة تدور في رأسه في صحوته وقبل الخلود إلى النوم وحتى أثناء النوم هي "أنه زرع وينتظر حصاده".
للخريجين قضية وليست مشكلة، لها دائرةٌ تتسع وتكبر شيئاً فشيئاً حتى تدخل نطاق اللامعقول. وهي قضية لها طاقة غضب تصب على أطراف مختلفة المسؤولية. هي حمى تنتشر وتتضاعف بين الآلاف المؤلفة من العاطلين عن العمل الذين ارتهنت حياتهم بتقصير المسؤول وجهله وضاعت آمالهم مع سوء التخطيط والعشوائية. هي المفاجأة التي ستضرب وزراه اللاتخطيط عندما تجد هذه الجموعٌ لتدرك لحظتها نتيجة فسادها.
انهُ ملف ثقيل تراكم على كاهلهم كثقل جبل الخليل على صدر الحكومة. في لحظة واحدة يخرج ضجيج وهتاف من الأرض إلى السماء من فم 276 ألف خريج يدوي ويطرق كل نواقيس الخطر وأبواب المسؤولية ليبدأ حل الملف الأثقل والأصعب. فليأتوا حينها بالذين هم على قدر أهل العزم لنرى عزائمهم فهذه ليست قضية سياسية لها باب خلفي للهروب والتنصل منها، بل هي قضية اجتماعية بامتياز. قضية مجتمع يصرخ في سماه لكي يُنقَذ من الاهتراء والتهالك، فالبطالة بين الشباب هي دائماً التحدي الأصعب لبقاء الحكومات أو لزوالها.
سنبقى نطالب بحقنا، سنقف على الإسفلت لأن حرارة قضيتنا لا يتحملها سوى الإسفلت، ولن نبرح أماكننا لأن الغد لنا نحن الشباب.