يخوض سكان بلدة بيتا إلى الجنوب الشرقي من محافظة نابلس شمال الضفة الغربية، معركة وجود، ضد أطماع المستوطنين تجاه أراضيهم وممتلكاتهم، حيث يواجهون مخطط استيطاني لإقامة بؤرة استعمارية على قمة جبل صبيح، الذي يتوسط بلدة بيتا، التي تبلغ مساحتها 18 ألف دونم، حيث أقدم المستوطنون في شهر مايو الماضي، على إقامة أكثر من 20 بيتاً متنقلاً (كرفان)، وإيصال خدمات الكهرباء والماء إليها، وتعبيد الطرق داخل البؤرة في غضون أيام قليلة.
من سمح بهذا التغول الاستيطاني هو سياسة السلطة الفلسطينية بإنهاء الفعل الفلسطيني المسلح في الضفة الغربية، ومنع كل محاولات عودته، فباتت عصابات المستوطنين لا تكتفي بالاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الزراعية أو النائية، ولم تعد رؤوس التلال والجبال كافية لهذه العصابات، بل ولم تعد حماية الجيش الصهيوني شرطًا للقيام بالعدوان والاستباحة للقرى والتجمعات الفلسطينية، إذ أن العصابات الاستيطانية تحولت إلى مليشيا مسلحة ومدربة تشن الهجمات وتقطع الطرق وتروع الفلسطينيين ملتهمه أرضنا وملامح بقائنا وصمودنا.
منذ عدة أسابيع تدور مواجهات يومية في بيتا، من أجل اقتلاع البؤرة الاستيطانية على الجبل، الاهالي قدموا كوكبة من الشهداء وعشرات الجرحى، وما زالوا يخوضون معركتهم، يواصل فعاليات الإرباك الليلي، كأحد أشكال المقاومة ضد الاحتلال والمستوطنين الذين أقاموا البؤرة الاستيطانية على قمة جبل صبيح، من خلال إطلاق المفرقعات ناريةً، وببث أغانٍ وطنية وأصوات أهازيج مرتفعة عبر سماعات كبيرة، والهدف خلق أجواء من الخوف والرعب لدى الجنود والمستوطنين المتمركزين على قمة الجبل.
تشكل المقاومة الشعبية المستمرة لأهالي بيتا واستلهامهم فكرة الإرباك الليلي من التجربة التي انتهجتها مسيرات العودة في قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة ردا على جرائمه وعدوانه المستمر ضد أبناء الشعب الفلسطيني، حالة كفاحية متقدمة ورادعة، بعنصريها البشري والمادي وبأدواتها الملائمة، تشكل بمجموعها تهديدا وخطرا على حياة المستوطنين وأمنهم، فعندما يحس المستوطن أن حياته وأسرته باتت في مرمى الخطر والموت، تجبره على ان يعيد حساباته، وربما تلجم ممارساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.
لذلك استمرار الفعل الشعبي النضالي لأهالي بيتا وانتقاله لبؤر استيطانية أخرى على امتداد الضفة الغربية يشكل ردعًا فعالاً لجموع المستوطنين، وتهديدًا جدياً لمجمل دور الفعل الاستيطاني ضمن المشروع الصهيوني، وكل فعل شعبي فلسطيني مبادر بالضفة الغربية يعد مقاومة فعالة في مواجهة المشروع الصهيوني.
رسالة أهالي بيتا اليوم تقول انه لم يعد الفلسطيني وحده من يشعر بالتهديد فيهجر أرضه ويغادر بلده، بل بات الأهالي اصحاب الحق منتجون للفعل المقاوم بعد أن كبلت السلطة يد المقاومة، يبادلون الفعل بالفعل، ومحاولات الاستيطان والترهيب بالردع الشعبي والمقاومة.
التاريخ هو درس دائم للشعوب، ومسيرة كفاح شعبنا ومقاومته الباسلة في غزة تدلنا على الطريق، فلا يمكن مواجهة الاستيطان المسلح والعنصري بالاستسلام للأمر الواقع، وبخيارات التجرد من السلاح ومن الفعل المقاوم بكافة أشكاله، خصوصًا أن شعبنا عرف مراحل مختلفة ردع فيها الزحف الاستيطاني بالحجارة تارة وبالسلاح تارة، وبالكمائن الشعبية البطولية في حالات أخرى، وما اقتلاع الاستيطان والاحتلال من قطاع غزة عنا ببعيد.
ومن هنا نرى ان تعزيز صمود اهالي بيتا والوقوف الى جانبهم بكل ما نستطيع من وسائل شعبية واعلامية ورسمية وتطوير هذه الحالة النضالية المتقدمة لتشمل القرى والمدن في الضفة الغربية لمواجهة المستوطنين بكل الوسائل والأشكال، وملاحقتهم والاشتباك معهم، حتى يدرك المستوطنون ومن ورائهم، ان الشعب الفلسطيني لن يسكت على امتهان كرامته، واغتصاب أرضه، وسيحميها بكل ما يملك من الوسائل والأدوات ومواجهة اية محاولة منهم للاعتداء على الارض الفلسطينية.
شعبنا قادر على ردع الاستيطان، وإرباك قطعان المستوطنين على امتداد أرضنا الفلسطينية، إذا ما توفرت الإرادة الكافية والاستعداد لفتح هذه المواجهة مجددًا، فكل الدعم والمساندة لأهالي بيتا المتمسكون بأرضهم وجبلهم ولن يتركوه أبدا بإذن الله، من يسطروا بصمودهم انتصارا على الاحتلال الذي سيرحل عن جبل صبيح وكل اراضينا كما رحل كل من عبروا عليها سابقا.