شبكة قدس الإخبارية

غزة .. الوجه الآخر

٢١٣

 

همام مبارك

دائما ما نصطدم بواقعية نقص أو ندرة الجوانب الإيجابية عند الحديث عن حياة الفلسطيني في غزة المحكومة من حركة حماس، وإذا ما تحدثنا فالإتهام الجاهز دوماً وأبداً لنا أننا نصطف في تضاد مع المقاومة والمشروع الإسلامي. سأحاولُ في هذا المقال توضيح الوضع في غزة بصورة مبسطة في عدة مشاهد رئيسية من حياة الفلسطيني في غزة.

المكان: غزة - الجزء الجنوبي من فلسطين. مساحة صغيرة فقيرة ذات كثافة سكانية عالية، أغلب سكانها من الشباب، كست الدماء شوارعها مرات كتيرة، تارة بقذائف وصواريخ الإحتلال وأخرى برصاص الإخوة الأعداء، بجبروتها قصفت تل أبيب والقدس المحتلة في زمن ما زالت تحتفظ فيه الأمة العربية بحق الرد، فرضت معادلة ردع فلسطينية جديدة، ارتبط إسم حماس بها في السنين الأخيرة، فسمّاها البعض حماس لاند والبعض الأخر حماسستان.

المشهد الأول: الكهرباء

أكثر ما يلفت إنتباهك وأنت تسير في شوارع قطاع غزة هي مولدات الكهرباء الصغيرة المنتشرة علي جوانب الطرقات وإن لم ترها فأصواتها المزعجة أو الرائحة الكريهة المنبعثة منها كفيلة بجذب انتباهك.

يلجأ القادرين مادياً من أبناء القطاع إلي شراء المولدات لتضيأ بيوتهم بضع ساعات إضافية بما يتوفر لهم من وقود مصري مهرب عبر الأنفاق وذلك لأن الكهرباء لا تزور بيوت القطاع سوى عشر ساعات يومياً. والمولدات باتت أشبه ما تكون بمكون رئيسي من مكونات "جهاز العروس".

img1286712401

الغريب جداً هو أنه لا إجابة لدى حكومة غزة عن السؤال المتردد على ألسنة وعقول سكان غزة: لماذا تقطع الكهرباء؟ لا إجابة واضحة أو شافية.

المشهد الثاني: المنتجعات والمقاهي

انتشرت المقاهي في القطاع نتشار النار في الهشيم فهي موجودة في معظم شوارع القطاع، وبمجرد انقطاع التيار الكهربائي يهرول كثيرون وبالأخص الشباب إليها ليقتنصوا بعض الحياة من المولدات الكهربائية المتوفرة بها. فالحياة حيث وجدت الكهرباء. أضف إلى ذلك عشرات المنتجعات والقرى السياحية الصغيرة التي أنشئت في غزة في الأعوام الأخيرة والتي تحتاج لمصروف أسبوع كامل لتقضي فيها بضع ساعات مع عائلتك الصغيرة.

er

أما اذا كنت لا تملك ثمن تذكرة دخول للمنتجعات أو بضع شواكل - جمع شيكل- للجلوس في المقهى ،فلا مكان أمامك سوى الشارع بحثاً عن بضع نسمات من هواء أو الهرب لما تبقي من أماكن قليلة مجانية للعامة على شاطئ البحر بعد أن تم تخصيص معظمه للمطاعم السياحية.

المشهد الثالت: الإقتصاد

كنا نتفاخر سابقاً بوجود طبقة متوسطة عريضة في مجتمعنا الفلسطيني، أما اليوم فقد باتت غزة تتكون من طبقتين الأولى غنية من أصحاب رؤوس الأموال وأمراء الأنفاق والقيادات الحكومية والفصائلية والثانية فقيرة وهي الكبرى بعد أن انحازت إليها الطبقة المتوسطة. عشرات آلاف من الخريجين الجامعيين بلا وظائف وإن حالفهم الحظ يكون ذلك ضمن بند التشغيل المؤقت لعدة شهور.

أما الحكومة فتستمد ميزانيتها من ضرائب الأنفاق والبضائع الواردة منها وضرائب المشروعات الإقتصادية والشركات التجارية إضافةً إلي المساعدات الخارجية من مناصري حركة حماس أشخاصاً ومؤسسات في الخارج، والمنح القادمة من هنا وهناك.

ولكن وبرغم كل ذلك، لا بدّ أن نشيد بأننا قد بتنا نرى مقدمات لعملية إعادة إعمار قطاع غزة، إما من المنحة القطرية والسعودية أو مشاريع البنية التحتية التي تقوم بها مؤسسات الإقتصاد الوطني بديلاً لدفع الضرائب لحكومتي غزة والضفة.

المشهد الرابع: الحريات والحقوق السياسية

شهدنا في الفترة الأخيرة حدوث تطور في أداء كادر حماس في المؤسسات الحكومية في غزة من أسلوب عمل التنظيمات للأسلوب المؤسسي مع الأخذ في الإعتبار أنه تابع كليا للتنظيم قبل أي شيء. للأمانة فقط، لا بدّ أن نشهد أنه في الفترة الأخيرة هناك مساحة معينة من الحرية السياسية في قطاع غزة ولكن بما "لا يضر ولا يمس" بحماس أو حكومتها أو ضيوفها من قريب أو بعيد، فمثلاً حدث في الأيام الأخيرة أن أوقفت حماس لعدة ساعات الأستاذ إبراهيم إبراش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة بسبب إنتقاده لزيارة الشيخ القرضاوي في مقاله "غزة لا تمنح صكوك الغفران لأحد".

أما بخصوص الحق في التظاهر فالضمانة الوحيدة لعدم قمع وفض أي تجمع أو مظاهرة أن تكون هناك موافقة من الجهات الأمنية الخاصة بهم عليها وذلك لا تقريبا لا يحدث إلا فيما يخدم الأجندة السياسية الخاصة بحماس ،فمثلا سمحت وزارة الداخلية بحكومة حماس بإقامة مهرجان انطلاقة الفصيل المعارض لها في غزة "فتح" لأول مرة منذ 7 سنوات في مقابل سماح حكومة فياض في الضفة الغربية علي إقامة مهرجان إنطلاقة حركة حماس هناك. بينما فضت شرطة حكومة حماس مظاهرة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خرجت إستنكاراً للقصف الإسرائيلي على دمشق.

أما فيما يتعلق بالحريات الإجتماعية وهي إحدى القضايا الأساسية لحماس فهي تحاول منذ فترة صقل قطاع غزة بنفس القالب وبشكل تدريجي للمظهر العامم الذي تراه فقط، فعلي سبيل المثال ،قامت بمنع المحاميات من دخول محاكم غزة بدون حجاب وجلباب ومنع طالبات جامعة الأقصي من دخول الجامعة دون إلتزام الجلباب " مع ملاحظة أن الجامعة غير مختلطة أصلا" أسوةً بالجامعة الإسلامية،إضافةً لتأنيث مدارس الطالبات -أي منع المدرسين الرجال من التدريس في مدارس الطالبات- والفصل بين الطلاب والطالبات منذ الصف الثالث الإبتدائي، إضافة لملاحقة الشباب علي قصات الشعر المخالفة لرؤيتهم وعلي "البناطيل الساحلة " وفق تعريفهم. وأخيراً توعد وزير داخلية حكومة حماس بمراقبة كل من يساهم في إخفاض مستوى الرجولة في قطاع غزة!

كل ما سبق يندرج في إطار حملات الفضية التي تقوم بها الجهات المختصة بحكومة وحركة حماس والتي زادت وتيرتها بشكل أساسي بعد مهرجان انطلاقة خصمها فتح في بداية العام الحالي حيث خرج أكثر من مليون مواطن للإحتفال بذلك ليس حباً في "فتح" بقدر ما هو نقمة علي إسلوب إدارة وحكم حماس لغزة،وخروج هذا العدد الضخم في مهرجان فتح هو مشهد يستحق الدراسة خاصة وأن من يحكم هذه البقعة منذ 7 سنوات هي حماس- فصيل الاسلام السياسي الأكبر في فلسطين-.

أود أن أشير هنا إلي حالة التأثر الكبيرة لفلسطين وبشكل أساسي قطاع غزة بما يحدث علي الساحة المصرية من تجاذبات، إما لخصوصية العلاقة بين الشعبين أو نظراً ل "زج "غزة بكل شئ يحصل في مصر بسبب وبدون سبب.

في النهاية كلمتان، ستبقى غزة رقماً صعباً في المعادلة الفلسطينية، غزة بوابة التحرير الأولى، غزة التي عاقبت السلطة على أخطائها فجلبت حماس للحكم وعاقبت حماس على أخطائها فحوّلت انطلاقة فتح لـ"إنتفاضة شعبية" داعمة للتيار الوطني على حساب الإسلام السياسي.