شبكة قدس الإخبارية

"النصر"... جامع يروي حكاية "نصر"

خلود الملاح

نابلس - خاص قُدس الإخبارية: "نابلس" أو كما تعارف الناس على تسميتها "بمدينة المساجد"؛ حيث فيها ما يزيد عن مئة مسجد، هي في معظمها مساجد قديمة يعود تاريخها للقرن السابع الميلادي محملة بقصص التاريخ الإسلامي بفتراته الأولى.

كل مسجد في نابلس له قصة و حكاية، وربما كان من أقدمها وأعرقها وأهمها مسجد النصر، الشامخ في وسط البلدة القديمة، جامع جميل الطلة، بهي القبة _بل لنقل بقبة عالية ذات لون أخضر_ هي الأعلى في فلسطين بعد قبة الصخرة، يقع الجامع بين معلمين تاريخيين هما باب الساحة وبرج ساعة المنارة، وهو ليس الوحيد بالبلدة القديمة فهناك تسعة أخرى غيره؛ مما زاد من الإرث الحضاري للبلدة، ورفع من مكانتها التاريخية، وعبقها الإسلامي.

شهد تاريخ هذا الجامع نقلات نوعية كثيرة فمن معبد في الفترة الرومانية إلى كنيسة في العهد البيزنطي، أطلق عليها "كنيسة القديس يوحنا"، ثم تحولت لمسجد في الفترة الإسلامية الأولى وعلى وجه التحديد بفترة عمرو بن العاص، ثم ما لبثت أن عادت لها صفة الكنيسة وذلك بالفترة الصليبية عام (1099م) وبنوا عليها قبة حمراء، لم يلبث حالها هذا طويلاً حتى جاء النصر الكبير ولعل تسميته بجامع النصر قد استمدت من انتصار صلاح الدين الأيوبي على معشر الصليبيين عام (1187م)، ليصبح بذلك "جامع النصر" بقبة خضراء (واللون الأخضر دلالة على النصر) بدلاً من "كنيسة القديس يوحنا".

وفي الفترة الأيوبية _وما أعقبها من فترات إسلامية لاحقة_ تم العمل على إصلاح حال الجامع، حيث أضيفت له غرفة الأضرحة الشرقية والغربية، كما وبنيت له مئذنة اسطوانية وذلك بالفترة العثمانية (992هـ) _وهناك من يرى أنها بنيت بالفترة الأيوبية لوجود نقوش جميلة اشتهرت بالعهد الأيوبي_، ولكن للأسف ما لبثت أن هدمها زلزال (1346هـ/1927م)، ثم أعقبه طوفان عام (1933م)، مما أثر على أساسات الجامع وبنائه فتصدع وكان عرضة للسقوط، مما حذا بالمجلس الإسلامي الأعلى بإعادة بنائه وذلك في عام (1354هـ/ 1935م)، حيث تكون البناء الحديث من طابقين.

تميز الجامع بقبته الخضراء البهية الكبيرة _وهي التي تسهم في إضفاء الإضاءة على المسجد وذلك لوجود ثلاث نوافذ ذات شكل مقوس على كل ضلع من أضلعها_ إلى جانب ثمانِ قباب خضراء صغيرة، ترتكز على أقواس كبيرة وهي بدورها ترتكز على أصغر منها، فغدا المسجد جميلاً مميزاً ذا مظهر مهيب.

اثنان وسبعون نافذة مجموع نوافذ هذا الجامع، بعضها ذا شكل مربع، وبعضها الآخر ذا شكل مربع بنصف دائرة من فوقه، ومما يزيد من جماليته أعمدته الاثنين والثلاثين المتنوعة بأشكالها وألوانها المختلفة، فمنها الأعمدة المربعة باللون الأخضر، ومنها الأسطوانية باللون الأبيض الرخامي، كما وكان للمحراب رونق خاص ولمسة تاريخية أضفتها على هذا الجامع.

تكون البناء الحديث من جامع النصر من طابقين، الطابق الأول منه خُصص للمحال التجارية، كما ووجدت فيه مقبرة للشهداء في فترة الحروب الصليبية، ولاحقاً ضمت المقبرة عدداً من أعلام مدينة نابلس، الطابق الثاني منه هو مبنى الجامع حيث تقام فيه الصلوات الخمس، وإمام المصليين من المذهب الحنفي.

الجامع حالياً قائماً وصامداً أمام معتركات الاحتلال والحياة، على الرغم من تعرضه للتدمير عدة مرات بل وقد تم اقتحامه وتدنيسه من قبل الأقدام الصهيونية، كما وتصدع مبناه بفعل التفجيرات المتتالية في محيطه مما أدى لتكسر زجاجه الملون الأثري، وكما يقال ما ينكسر لا يعود كما كان، فَقَدَ هذا المسجد ميزته وما كان يعبر عن جماليته، فليست الزلازل وحدها التي تلام في تدمير التاريخ! فالبشر بأسلحتهم أقوى أحياناً وأعتى من ألف زلزال!

جامع النصر قصة نصر جميلة رُسمت على حجارته والتي ما تلبث أن تُدمر أو تسقط إلا أنها تُبنى من جديد ومع سبق الإصرار، جامع أُعيد بناؤه تكراراً ليحافظ على هويته وتاريخه، فيا ليت قصته تعاد وتتكرر لباقي مساجدنا المستهدفة من قبل الاحتلال.

المراجع:

- محمد عدنان البخيت، نابلس ونواحيها.

- عبد الله كلبونة، المساجد الأثرية في مدينة نابلس، 1998م.

- مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، جزء 2، قسم 2، 1991م.

- خالد قمحية، القبلة في مساجد مدينة نابلس، 2006م.

- رئيسة العزة، نابلس في العصر المملوكي، 1995م.