كان مجرد نقاش حول ما يحدث اليوم على الساحة الثورية الفلسطينية، (الثورة) الكلمة التي تتضاءل في الأذهان، كم نجح باترويس وغالولا في ترويضنا، كلمة بحجم غضب الحر في أزقة المدينة المنسية، إنها قصة أؤلئك الفرسان المنسيين.
حديثي عنهم استمر لربع ساعة وتسجيل واحد لفادي قفيشة أعادني لتقرير واحد شاهدته على التلفاز قبل ما يزيد عن خمسة أعوام، وطويت صفحة تلك القصة كما طويت صفحات أخرى، علا صمتي أي مساحة للرد على ما سمعته وعرفته وبحثت عنه على محرك البحث.
منذ أيام وأنا أذهب وأجيء في صراخ يعصر آخر فكرة في ذهني المشتت، ضعت بالفعل ضعت، إلى أن ألهمني حديثي مع نفسي في هذا الصباح أن اكتب ما أكتب. فرسان الليل والجناح العسكري لحركة فتح (كتائب شهداء الاقصى)، لماذا يعزف التاريخ عن أن يدوّن ما قدموه، هل هي خطيئة أوسلو التي تلاحقهم ولا ذنب لهم فيها، أم اتكاء الكل على كلمة (زعران، طخيخة، بلطجية، امييين، ولاد حرام)، إنه التجريد في مآلاته القبيحة عندما يعري القيمة أكثر من اللازم، عندما يحولنا إلى مخبريين بالفطرة لدى باترويس وأجهزة المخابرات الإستعمارية.
عندما تقف من كل شيء موقف الرواية الرسمية دون محاولة النبش في أكوام الحقائق التي تتجسد أمام ناظريك، ماذا أنت فاعل؟ هل يبعد تاريخ معارك فرسان الليل منا مسافة ثمانين عاماً؟ لا كلّ ما يبعده عنا أعوام قليلة بدأت فيها معاركهم وانتهت بشرف وبسبب صلابتها وتأثيرها تمت المقاطعة العلنية والسرية لهذه الأسطورة ذات الرواية المغيبة، فيصعب على جدران القصر الحداثي في رام الله أن يذكر هؤلاء الأبطال شأنه شأن التاريخ الرسمي.
كيف للتاريخ الرسمي أن يحمل التجلي الحرّ لأشكال الثورة المقاومة التي يحاربها منذ أن قرر لنفسه أن يكون عبداً لاتفاقية السلام، وكيف لهؤلاء المقاومين أن يتحولوا في سوق المجتمع المدنيّ اليساريّ إلى أبطال وكل ما يربطهم بالتحرر وثيقة نبذ الارهاب والإنصياع لماركس نظرياً فقط، والتودد للمعونات الشقراء والتمويل الأبيض من هنا وهناك.
إنها لعنة أوسلو التي تلاحق أبطالاً ظلوا يدفعون ثمن اتفاقيات السلام، وسطوة التباهي، والتخوين من اليسار ومنظومات الترويض والتدجين. منذ عام 2000 وحتى يومنا هذا وصفحات من الثورة والحرب تطوى وتركن في زاوية مظلمة من زوايا التاريخ، وتلقى عليها اللعنة لتبقى صفحة الشيطان. تاريخ معاركنا لا تكتبه القيادات ولا تعتني به الأكاديميا، كلّ ما يحدث هو سياسة تشديب وتقليم أظافر لأفكار الثورة والمقاومة وتحويل الوعي بعد إفراغه من مكنوناته من وعي بالثورة لوعي بالشيطان. الثائر الفلسطيني ليس بشيطان أو مسخ، وعندما يحاكم ثائر من كتائب شهداء الأقصى منكَ على إنه أزعر، أو طخيخ فاعلم أنك شريك لأوسلو ولباتريوس وللمقاطعة في مكافحة الثورة، لتبقى جزء من منظومة تصدر الفتوى الإسلامية بصبغة استعمارية.
إن مشيت في نابلس وسمعت أغنية فرنسان الليل لا تضحك أبداً، ولا تهذي بكلمات عن الثوار الذين روضوا. ما حدث هو أن الرواية الرسمية لم تكتب ما يجب أن يقال عنهم، ما حدث أن هؤلاء الفرسان سيبقون أبطالاً في الظل ولن يفتش عنهم أحد سوى من يريد أن يسمع ويدرك حقيقة ما كان يحدث في الإنتفاضة الثانية على الأقل. من هؤلاء الثوار الذين رأوا فلسطين في الرصاصة وحلموا بالوطن فتصالحوا مع الموت وأصبحت الشهادة عقيدتهم التي يعيشون بها؟
لن أكتب أكثر عن واقع صارت فيه الأوطان بحجم الأقعنة التي ألبسنا إياها باترويس ودايتون ورجالات المقاطعة.