ركب ثلاثتهم بحر غزّة بمركبٍ لم يسدّدوا ثمنه بعد. ركبوه من أجل لقمتهم وأهلهم، وكان قدرهم التعِس أن قادهم إلى اتجاهٍ صار ممتلئًا بموت أبنائه قبل أبنائنا. دفع الأخيرون ثمنًا أكبر بكثير ممّا كان ينتظره أصحاب المركب؛ حياتهم وحريّتهم وحريّة المركب ومآقي والديهم.
حوّل "أبطال" الجيش المصري معركة أولئك المساكين مع بحر رزقهم إلى ميدان أسطورتهم الوطنيّة. دمّ الشقيقين والحرية المختطفة لشقيقهم الثالث في رقبة بروباغندا تنمو في ظلال نظامٍ يكرّس الوطنيّة العنصريّة الضيقة، ويربّي "أعداء" و"آخرين" غير موجودين سوى في مخيلة تقديس الجيش وأسطرته.
وبينما يحقّق أولئك الأوغاد انتشاءً بدماء أبناء سيعودون جثثًا إلى حضن أهاليهم، كي يتمتّعوا بحسّ الذات المتفوّقة الخارقة على حساب بشرٍ من لحمٍ ودمٍ فقدوا أبناءهم الثلاثة ضربةً واحدةً بين أسْرٍ وموت، فإنّهم يضيّعون بوصلة العدوّ الحقيقي المهدّد لأمنهم وكرامتهم، ويربّون "أعداء" داخليين وهميين أسقطوا أجسادهم على الأرض في المظاهرات الأخيرة. هؤلاء أيضًا يحدّقون اليوم في عيون راكبي البحر أولئك: نحن ضحايا النظام الوسخ المسخ عينه!
المجد والخلود لشهيدي اللقمة المغمّسة بالدم محمود وحسن الزعزوع، والحرية للمختطف الجريح ياسر الزعزوع.