قبل كل شيء أُعلِن وبشدة أنني مع إصدار قانون حماية الأسرة من العنف في ظل ما يشهده المجتمع الفلسطيني من حملة منظمة في الآونة الأخيرة تقودها أطراف عشائرية تمثل بعض الأحزاب الدينية وتساندها أطراف حكومية محرضة ضد سن القانون، وهذه الحملة تثير مجموعة كبيرة من الأسئلة حول واقع التحريض على العنف ضد النساء في المجتمع الفلسطيني وأهمها إلى متى يستمر هذا الواقع؟ وما مصلحة معارضي القانون باستمرار حالة العنف الأسري؟ وما مدى صحة الرأي القائل بأن حماية الأسرة من العنف يضر بالاستقرار والسلم الأهلي؟ والسؤال الذي يمكن طرحه في هذا الجدل المحتدم هو لماذا هذا العداء من قبل المعارضين لسن القانون الذي وصل لحد التهديد برفع دعاوي الردة عليهم؟ وهل يمكن تبرير استمرار تعرض النساء للعنف القائم على التمييز داخل أسرهن؟ واعتباره بأنه يساهم في الحفاظ على العادات والتقاليد والأدوار الاجتماعية التي من الواضح أنه يتم احترامها حسب المصالح الشخصية بطريقة مزاجية بغياب المعايير الثابتة والمرتبطة بدور المرأة الانتاجي والاقتصادي ومساهمتها بدخل الأسرة!
المحزن أكثر من كل ما ذكر تناول خطيب المسجد الأقصى اتفاقية سيداو بالذكر والتحذير من مخاطرها في خطبة صلاة الجمعة الماضية التي احتفل فيها عشرات الآلاف من المصلين بإعادة فتح المسجد بعد أكثر من ثلاثة أشهر على إغلاقه، الأمر الذي أجد صعوبة كبيرة في استيعابه، وهو كيفية قياس خطورة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة سيداو على المجتمع الفلسطيني واعتبارها ملحة، حتى يتحدث عنها في خطبة صلاة الجمعة بعد غياب طويل عن رحاب المسجد الأقصى، ولا تبرير لهذا التصرف سوى تغطية العجز البرامجي على المستويات الاقتصادية والسياسية بالانتفاض ضد المرأة واطلاق الهجوم على الذات، وهذه المسألة باتت واضحة تمام الوضوح من خلال الحملة المستعرة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة سيداو، والسؤال المبسط الذي يمكن طرحه في هذا الصدد هو ما سبب تركيز جهات معروفة بعينها على اتفاقية سيداو دون غيرها من مجموعة اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت لها فلسطين بسنة 2014؟.
قبل الإجابة على السؤال أأكد على احترامي الشديد للأشخاص الذين اطلعوا على الاتفاقية ولديهم بعض التحفظات الموضوعية عليها لتعارضها مع معتقداتهم أو أفكارهم على حد سواء. وفي عرض الإجابة اعتقد بكل بساطة بأن الحالة العامة المعارضة والمشيطنة لاتفاقية سيداو بكل تفاصيلها دون معرفة أو دراية بنصوصها الهادفة للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة مستهجنة ولا مبرر موضوعي لها، سوى استسهال اسمها المختصر الخفيف على اللسان أو محاربة أحد مضامينها من قبل البعض لأن مسألتهم الإرثية تصبح غير مربحة بشراكة المرأة بها، أو يمكن استيعاب أن لهم مصلحة اجتماعية أو اقتصادية باستمرار التمييز وعدم تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين ولكن الذي لا يمكن استيعابه من معارضي اتفاقية سيداو ربط موقفهم المعارض لاتفاقية بعدم الموافقة على إصدار قانون حماية الأسرة من العنف وذلك للأسباب التالية:
1. يجب الاعتراف بكوننا مجتمع غير مثالي لا يخلو من ظواهر العنف الجسدي والنفسي والجنسي والتحرش وسفاح القربى، والاستغلال الاقتصادي وعمالة الأطفال وغيرها من الظواهر السلبية وصولاً إلى قتل النساء على خلفية الشرف، لذا تبرز الحاجة الموضوعية بوجود قانون لحماية الأسرة من العنف تقوم فلسفته على الحفاظ على وحدة الأسرة واحترام خصوصيتها وبنفس الوقت يقدم المعالجات القانونية والحلول للاشكاليات النفسية والاقتصادية التي يتعرض لها ضحايا العنف الأسري ومعاقبة الجناة وإعادة تأهيلهم.
2. إن مبدأ عدم التمييز هو أحد أهم مبادئ حقوق الإنسان الذي يشكل الأساس البنيوي لكافة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ويعتبر كذلك الأساس المعياري لقياس مدى تمتع المواطنين بشكل متساوي بنصوص هذه الاتفاقيات، حيث أن الإخلال بهذا المبدأ من خلال تمتع فئة عنصرية أو جنس دون الآخر في الحقوق المنوطة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان يعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ويندرج بذات السياق ممارسة العنف القائم على التمييز ضد المرأة في المجتمع الذي يعتبر انتهاك لحقوقها بموجب كافة اتفاقيات حقوق الإنسان ومنها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة والعهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقيات حقوق الإنسان الأخرى ومن ضمنها اتفاقية مناهضة التعذيب وسوء المعاملة.
3. يعتبر مبدأ عدم التمييز مبدأً أساسياً وعامّاً في حماية حقوق الإنسان وجوهرياً لتفسير اتفاقية مناهضة التعذيب وتطبيقها ويندرج جانب عدم التمييز ضمن نطاق تعريف التعذيب بحد ذاته في المادة 1 من الاتفاقية التي تحظر صراحة أفعالاً محددة حينما تنفذ "لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه" وتؤكد لجنة مناهضة التعذيب أن استخدام العنف أو الإيذاء النفسي أو البدني على نحو تمييزي هو عامل مهم في تحديد ما إذا كان الفعل تعذيباً.
4. الهدف العام لاتفاقية مناهضة التعذيب هو القضاء على كافة أشكال العنف في المجتمع سواء ارتكبه موظفين الدولة الرسميين أو حرضوا أو وافقوا عليه أو سكتوا عن اتخاذ المقتضى القانوني لمحاربته ومحاسبة مرتكبيه.
5. إن الدمج الكامل لمنظور جنساني غاية في الأهمية في تحليل تعريف التعذيب وإساءة المعاملة لضمان الاعتراف الكامل بالانتهاكات الناجمة أصلاً عن قواعد اجتماعية تمييزية تدور حول نوع الجنس والأمور الجنسية وضمان التصدي لهذه الانتهاكات ومعالجتها، بالإضافة إلى ذلك فإن أحد مقاصد التعذيب الواردة في تعريف التعذيب بنص المادة الأولى من الاتفاقية، هو الألم والعذاب الشديد لأي سبب يقوم على التمييز وعنصر القصد الوارد في التعريف يتوافر دائماً إذا كان الفعل المرتكب يتعلق تحديداً بنوع الجنس أو إذا ارتكب ضد أشخاص على أساس جنسهم أو هويتهم الجنسانية.
6. الغاية من تكييف أفعال العنف المرتكبة ضد المرأة في المجتمع باعتبارها تعذيب في حال موافقة الدولة عليها أو السكوت عن اتخاذ الإجراءات القانونية لمكافحتها أو التحريض عليها أو ارتكابها بشكل مباشر هي لضمان تطبيق إطار الحماية من التعذيب بشكل يضمن حماية الأشخاص من الجنسين بهدف تعزيز حماية المرأة من العنف، حيث أن وصف فعل ما بأنه "تعذيب" ينطوي على قدر أكبر بكثير من الوصم بالنسبة للدولة ويعزز الآثار القانونية المترتبة التي تشمل على التزامات جادة بتجريم التعذيب والسرعة في اتخاذ إجراءات وتدابير إدارية وقضائية وتشريعية من شأنها محاربة العنف القائم على التمييز باعتباره شكل من أشكال التعذيب وسوء المعاملة..
7. تنسجم لجنة سيداو في التوصية العامة رقم 35 الفقرات 15/ 16/17 مع كل ما ورد أعلاه بقولها "أن حق المرأة في العيش في مأمن من العنف القائم على التمييز لا ينفصل عن حقوق الإنسان الأخرى ويرتبط معها بما في ذلك الحق في الحياة والصحة والحرية والأمن الشخصي، والمساواة والحماية المتساوية داخل الأسرة، والتحرر من التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وحرية التعبير والتنقل والمشاركة والاجتماع وتكوين الجمعيات وغيرها من الحقوق حيث أن حقوق الإنسان مترابطة وينظر لها بشكل متكامل، وقد يصل العنف الجنساني ضد المرأة إلى مصاف التعذيب أو سوء المعاملة في بعض الظروف، بما في ذلك في حالات الاغتصاب والعنف المنزلي والأسري أو الممارسات الضارة".
وأخيراً لا بد من التأكيد على أن مبدأ عدم التمييز هو مبدأ عام في كافة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وجوهري في تعريف التعذيب وأن اتفاقيات حقوق الإنسان مترابطة وغير قابلة للتجزئة ومتكاملة في تناول الحقوق بشكل عام أو التركيز على بعضها بشكل تخصصي شامل في اتفاقيات أخرى، لذا نجد أن التركيز على الربط بين قانون حماية الأسرة من العنف واتفاقية سيداو على صحته غير موفق من قبل أصحابه ويعكس عدم فهم نصوص الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ومنظومتها المتكاملة لأن العنف القائم على التمييز في المجتمع بالإضافة إلى كونه فعلاً تمييزياً ضد المرأة بموجب اتفاقية سيداو يعتبر كذلك شكل من أشكال التعذيب وسوء المعاملة ولا سيما عندما ينطوي الأمر على قرارات تتعلق بالإنجاب والعنف الممارس ضد المرأة من قبل جهات فاعلة خاصة في المجتمعات المحلية وفي المنزل وأن استمرار وجود العنف الأسري وبناءً على كل ما ذكر فإن تأخير و/أو سكوت الدولة ممثلة بموظفيها الرسميين عن إصدار قانون حماية الأسرة من العنف يعتبر شكلاً من أشكال التعذيب وسوء المعاملة.
المحامي علاء البدارنة
المستشار القانوني لمركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"