شبكة قدس الإخبارية

دمُنا في فنجان!

99
سلام أبو شرار

دفنت روان في يوم ميلادها، وقصة إسراء غريب ليست عنا ببعيد، وإن اختلفت تفاصيل القصتين فإن النهاية المفزعة واحدة، وهذا التشوه والبلادة المجتمعية إزاء جرائم من هذا النوع، مؤشرات على قادمٍ مرعب.

منظومة اجتماعية كاملة تتغنى بتفاخر مبالغ فيه أغلب الأحيان بقوة العشائر وحضور كلمتها وغلبتها، هذه المنظومة يضعها اليوم دم روان المسفوك ظلماً أمام امتحان حقيقي وعلى محكٍ أخلاقي وإنساني، لا مساحة رمادية في اجتيازه، أما أن يكون رادعاً بقدر بشاعة الجريمة وإما أن تنكشف عورته ويثبت للناس أنه نظام أجوف، يحترف الشعارات الرنانة والخطابات المؤثرة ويظهر عارياً عاجزاً في امتحانه الأخلاقي الذي وجد أصلا لأجله.

ما حصل لروان ليس أمراً يخصها وحدها، والمصاب بفقدها يتعدى أهلها إلى مجتمع كامل يشهد جرائم من هذا النوع آخذة في التصاعد بجنون وهو ما ينذر باللامتوقع من الإجرام، وليس من أحد منا يعرف متى وأين سيكون موعدنا مع الضحية القادمة. وهذه الحقيقة الكارثية التي لا مفر منها يجب أن تجابه بيدٍ ضاربة، لا تنفذ أشد عقوبة بحق المجرم لغرض العقوبة والقصاص فحسب، إنما رادعة أشد الردع.

قبل زمن قصير شهد جبل الخليل جريمة مروعةً بقتل رجل وزوجته وانتهت بفنجان قهوة، بمنتهى الإسفاف والاستخفاف بكارثية ارتدادات حدث كذلك الحدث على مجتمع كامل، لا صوت فيه للضحية مقابل ضمان ضمني يعرفه المجرم بأنه سيفلت من شر جريمته بكلمتين وفنجان قهوة و"لبّاس ثوب". ولو أن القرار كان وقتها اتخاذ إجراء رادع لما تجرأ مجرم جديد على أن يغذي شرور نفسه إلى حد أن يقتل أم أولاده!

جنوب الضفة، بنظامه العشائري اليوم أمام امتحان دقيق، يعرف فيه كل صاحب عقل رزين ورأي راجح ما يجب فعله، ويعرفون جيداً أنه ليس من الحكمة في شيء التعاطي مع جريمة بهذه البشاعة بنبرة أن هذه قصص تحصل عادةً كل يوم وفي كل مكان، والاكتفاء بالمعنى الاستعطافي المبطن بالشفقة في طلب العون من الله، غافلين أو متغافلين عن أن الله أوجب أشد الردع لكل جريمة تهدد استقرار المجتمع، وعلى رأسها القتل.

ونبرةٌ من هذا النوع تهدر أول ما تهدر حق الضحية في الاقتصاص من المجرم، وتخلق ثغرات في النظام الاجتماعي ينفذ منها مجرمون جدد، وهو ما لا ينقص مجتمعاً بالكاد قادر على رأب صدوعه، والتعافي من التهتكات المتتالية التي يصاب بها من منافذ عدة كلها تؤدي في نهاية المطاف إلى يد محتلٍ عابثة بآخر ما تبقى للفلسطيني من فتات أمان.

إن الناس اليوم كشارع مطالبون بموقف حقيقي متكاتف وضاغط باتجاه تحرك رادع ينفذه النظام العشائري والموقف الرسمي، بحس مسؤوليةٍ عالٍ وجريء لإغلاق هذه الثغرة التي كثر في الآونة الأخيرة تسلل مرضى النفوس منها، وممارستهم لجرائم يشيب لها الولدان مستأمنين على أنفسهم.

هذا قولٌ يحتمه الواجب الإنساني، وأما اندثاره بلا موقف واضح إنما هو نذير شر مستطير، لا يُعرف منتهاه.