أربعون دقيقة كانت كفيلة بأن توقف أركان القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على قدم وساق بعد أن قام الشهيد نور بركة ومعه اثنين من أفراد القسام بإيقاف واستجواب القوة الإسرائيلية المتسللة إلى قطاع غزة متمنيين أن يترك أفراد القسام القوة الإسرائيلية في حال سبيلها التي وقعت في هفوات استخبارية رغم حالة التخفي الكبير الذي قامت به.
لكن فطنة أفراد القسام وفي مقدمتهم الشهيد بركة أوقعتهم في المصيدة، إذا أثارت النقود التي سقطت من حقيبة أحد أفراد القوة الإسرائيلية حالة من الشك حول طبيعة عمل أفراد تلك القوة الذين قالوا إنهم يعملون في مؤسسة خيرية تقدم المساعدات لأصحاب الحاجات الخاصة، وهو ذريعة لم تقنع أفراد القسام الذين اتخذوا قراراً بسحب أفراد القوة بالسيارة التي يستقلونها لأحد المواقع العسكرية.
عندها أيقن أفراد القوة أنهم قد كشفوا ولا مناص من الهرب، فقام أحد أفراد القوة بإطلاق النار على أفراد القسام ليرتقي الشهيد نور بركة والشهيد محمد الفرا، ما دفع بالعنصر الثالث في القسام لإطلاق النار مباشرة على القوة الإسرائيلية فيتمكن من قتل قائدها، ويصيب عنصر آخر.
لتبدأ الملاحقة والمطاردة من قبل أفراد القسام الذين أعلنوا حالة الاستنفار وقاموا بإغلاق جميع المنافذ الحدودية لقطاع غزة، الأمر الذي دفع بقيادة الأركان الإسرائيلية بأن تصدر قراراً بتدخل الطيران ليقوم بإخلاء وإنقاذ القوة قبل وقوعها في أيدي عناصر القسام، الأمر الذي كان سيشكل ضربة قوية لاستخبارات وأركان العدو الإسرائيلي.
وبالرغم من قيام الطائرات الإسرائيلية بإطلاق النيران والصواريخ باتجاه مجاهدي القسام إلا أنهم استمروا بالملاحقة والمطاردة غير مهتمين بكثافة النيران التي تطلق عليهم أملاً في القبض على القوة
وبعد أن نجح الاحتلال في إخلاء أفراد وحدته من ميدان المعركة حاول إخفاء أثار عمل تلك القوة وما تحمله من معدات من خلال قصفه للمركبات التي تم استخدامها بعدد من الصواريخ، ولكن بعد الفحص الذي أجرته استخبارات القسام على الهيكل والبناء الداخلي للسيارات المستخدمة تم تبين أن قوة المحركات والعجلات ساعدت في عملية الإخلاء والتغلب على الطرق الوعرة التي سلكتها القوة، كما أن الاحتلال زود هذه السيارات بمنظومة تحكم واتصال، وتعديل الأزرار والمفاتيح لتتناسب مع العملية والأعمال الطارئة، ومنها تركيب لوحة تحكم يستطيع من خلال المتحكم في قيادة السيارة بإطفاء الإنارة والمحرك بمجرد الضغط على أحد الأزرار التي تم تصميمها، وزر آخر يرسل إشارة لغرفة العمليات بأن الوحدة في ورطة وأزرار أخرى مهمتها إخراج جيوب تحتوي على أسلحة وأغراض يراد إخفاءها، ناهيك عن تصميم قسم في الشاحنة لإخفاء أربعة مقاتلين.
أثبتت التحقيقات المكثفة التي قامت بها كتائب القسام بعد العملية أن الهدف من دخول الوحدة هو محاولة اختراق شبكة اتصال القسام التي مثلت واحدة من أهم النجاحات التي حققتها القسام في السنوات الأخيرة، وأعطتها ميزات في إدارة المعارك والتواصل الآمن بعيداً عن عمليات التنصت والمتابعة من قبل استخبارات الاحتلال.
الإخفاق الذي وقعت فيه القوة ترك آثاره على الوحدة التابعة لها وهي "سيرت متكال"، فقد نجح القسام وبعد جهود استخبارية وإعلامية في حرق الشخصيات العاملة ضمن تلك القوة وبالتالي إخراجهم من الخدمة لا سيما وأنهم قاموا بجهود استخبارية في بلدان عربية، ووصف المحلل العسكري الإسرائيلي ألون بن دافيد آنذاك كشف صور أفراد القوة بأنه "ضرر استراتيجي لأنهم لا يعملون في قطاع غزة فقط، بل في مناطق أخرى بالشرق الأوسط".
تداعيات الإخفاق لم تقتصر على الجانب الاستخباري والعسكري وإنما امتد ليطال المستوى السياسي، فقد قدم وزير الحرب أفيغدور ليبرمان استقالته من منصبه بعد أيام قليلة من احباط عمل القوة وكشفها، وصولاً إلى تفكك الحكومة والتوجه لانتخابات مبكرة، لم تفلح معها الأحزاب بتشكيل حكومة حتى ديسمبر 2019، على الرغم من خوضهم الانتخابات مرتين، وسط توقعات بالذهاب لجولة انتخابات ثالثة.
القسام لم يكشف ما في جعبته من أسرار حول عمل تلك القوة ونوعية ما ضبطته من وثائق ومعدات، والذي وصف من قبل الناطق باسم القسام منتصف نوفمبر الماضي، بأن ما بين يديهم يمثل كنزاً استخبارياً لم يكن في أسوء كوابيس قادة الاحتلال أن تقع بين يدي القسام والمقاومة في قطاع غزة، ويبقى ما خفي أعظم