في الخامس والعشرين من سبتمبر في عام 1996 انطلقت هبة النفق في فلسطين رداً على افتتاح الاحتلال نفقاً في القدس يمتد إلى أسفل المسجد الأقصى المبارك، واستمرت الهبة لستة أشهر، تخللتها مواجهات عديدة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني.
كان نتنياهو حينها رئيساً للوزراء أيضاً كما هو اليوم، والمشهد ذاته تكرر قبل أيام، لكن بصخب أقل بكثير، ويمكن القول إنه مرّ مرور الكرام حتى اللحظة، فقد افتتح الاحتلال الإسرائيلي عبر منظمة «إلعاد» الاستيطانية نفقاً تهويدياً أسفل حي سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، يمتد إلى أسفل المسجد من ناحية حائط البراق.
يأتي الحدث بعد أيام من مؤتمر المنامة في البحرين، الذي أخذ صفة الشق الاقتصادي لـ «خطة إدارة ترمب للسلام في الشرق الأوسط» أو ما بات يعرف باسم «صفقة القرن».
وشارك في الافتتاح اثنان من أبرز مهندسي صفقة القرن، وهما مبعوث ترمب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات وسفير أميركا لدى الاحتلال ديفيد فريدمان، وكان الافتتاح بواسطة معول هدم، خلافاً للبروتوكولات المعتادة. في إشارة غاية الخطورة تعبر عن عمق دعمهم للمخططات التهويدية التي تستهدف القدس والمسجد الأقصى، بما فيها مخططات الهدم، والحفر، والتهجير، والاستيلاء على المنازل.
«درب الحجاج» هو اسم النفق الذي جرى افتتاحه، والمقصود حجاج الهيكل المزعوم، أي أن النفق عبارة عن مسار من المفترض أن يسلكه الحجاج اليهود للوصل إلى الهيكل المراد بناؤه على ركام المسجد الأقصى المبارك.
لا يمكن اعتبار الحدث إشارة رمزية أو مجرد استعراض شكلي، بل هو ضوء أخضر لتنفيذ ما هو أخطر، خصوصاً أن الخطوة لم تواجه بردة فعل تذكر، وقد يكون لتغييب الاحتلال بعض القيادات الفلسطينية في الداخل الفلسطيني المحتل، مثل شيخ الأقصى الشيخ رائد صلاح، دور في إضعاف الحالة الشعبية المناهضة للتهويد، ولمسار الاحتواء الممنهج، والتطويع مع عقيدة التنسيق الأمني في الضفة المحتلة دور آخر.
الجهد الرسمي في الضفة لا يمكن اعتباره إلى الآن سوى أنه حالة تنفيس غضب كلامية بعيدة عن الفعل والحراك الحقيقي، وأقل بكثير من مستوى الأحداث المفصلية التي تعيشها القضية الفلسطينية، وإذا ما قورن مع موقف الرئيس الراحل ياسر عرفات مع حادثة النفق عام 1996 نجد البون الشاسع جداً.
لا يعني ذلك انعدام فرص اندلاع هبة جديدة وما شابه، فما زالت الفرص قائمة وكلما اشتد عدوان الاحتلال وزادت همجيته واستفزازاته لمشاعر الفلسطينيين والمسلمين، زادت فرص ذلك، وما هبة الأسباط عام 2017 عنا ببعيد فقد حاول الاحتلال حينها التحكم بأبواب المسجد الأقصى، والسيطرة المطلقة على أبوابه، وفرض واقعا جديدا داخل وعند بواباته، وهو ما رفضه الفلسطينيون.
وقبل أشهر قليلة أيضاً كانت هبة باب الرحمة حين استعاد الفلسطينيون السيطرة على مصلى باب الرحمة داخل المسجد الأقصى بعد 16 عاماً من إغلاق الاحتلال له، ومنع الصلاة فيه، بعد أن كان يخطط لتحويله إلى كنيس يهودي.
ورغم أن الخطوات التهويدية الحالية تأتي بدعم أميركي وتواطؤ أنظمة لم تجرؤ على مجرد انتقادها، إلا أنه تبقى للشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية كلمة أخرى، فما دام الإسلام والإيمان يعيشان في الصدور لا يمكن التمادي بحق قضية الأمة.