التطبيع الإسرائيلي وستر المفضوح قلناها من قبل وقالها قبلنا كثر من العاملين في الفضاء الوطني : كل من أراد في الماضي الصعود سياسيًّا تَبَنّى فلسطين القضية والآن، في هذا العصر الصهيوني المهيمن على ساحة العمل السياسي العربي الرسمي انقلبت الآية فصار من يريد التسلق "وليس الصعود" سياسيًّا يعمل ليلاً ونهارًا على طلب رضاء "إسرائيل" وتقديم "فروض (أو آيات، إن أردتم) الطاعة والولاء" لها، عبر الاعتراف الصريح وإقامة أوثق علاقات " الصداقة والأخوة " معها.
من فترةٍ إلى أخرى تطفو على السطح مسألةُ التطبيع مع دولة الكيان الصهيونيّ "إسرائيل،" وتستقطب صراعاتٍ سياسيّةً وفكريّةً مضطربة ، يستند البعضُ فيها إلى "الصحّ المطْلق" مقابل استناد البعض الآخر إلى " الصحّ النسبيّ " واختباءِ بعضٍ آخر مطبّعٍ خلف السبب الأخير.
في كلّ هذه التصنيفات أعني ، بشكل حصريّ ، معشرَ القوميّين والوطنيّين واليساريّين والإسلاميّين الذين يصنِّفون أنفسَهم ضدّ وجود دولة الكيان أو تشريعِها، ولا أعني العملاءَ العرب ــــ من أنظمةٍ أو أحزابٍ أو مؤسّساتِ مجتمعٍ مدنيّ أو أفرادٍ يعترفون بشرعيّة وجود "إسرائيل" من منطلقٍ وطنيّ أو أمميّ أو قوميّ.
فهؤلاء خارج دائرة النقاش أصلًا، وهم يعملون مع "إسرائيل" سرًّا وعلانيةً، ولا يأبهون لمواقف من قبيل رفض العدوّ أو رفض التطبيع معه، بل يمارسون خيانةَ الشعب الفلسطينيّ والأمّة العربيّة بطرقٍ مختلفة، وتحت مسوِّغاتٍ مختلفة، أصبح المكشوفُ منها يفوق المستور.
تريد "إسرائيل" اليوم توجيه صفعة القرن الحادي والعشرين للعرب والمسلمين، عن طريق تسوية القضية الفلسطينية والاعتراف بها كدولة ذات سيادة عاصمتها القدس، كما وعدهم الرئيس الأمريكي المجدد دونالد ترمب ذات يوم في حملته الانتخابية ، وقد تأجل أمر الاعتراف بالقدس كعاصمة لـ "إسرائيل" إلى حين.
حتى ينفذ القوم ما أجمعوا عليه أمرهم فيما أطلق عليه تسمية صفقة القرن التي تبناها ترمب ونفذها أبناء زايد والسيسي، وبقيت "إسرائيل" تنتظر الطبخة لتستوي على نهار هادئة . بالأمس كان العرب يسرون بعلاقاتهم بالكيان المغتصب حفاظا لماء وجوههم، وللمظهر العام أمام شعوبهم، واليوم أصبح التطبيع جهارا نهارا، بل وأصبحت "إسرائيل" حليفا في مكافحة الإرهاب تهدي لها الأراضي وتنفذ من أجلها الخطط، وتحارب مقاومتها وتحاصر من أجل عيونها الدول الشقيقة، وتعقد لها القمم والمؤتمرات تحت مسمى صفقة القرن، لكي يعترف بها كدولة ذات سيادة ويمحى جرمها من التاريخ، الأمور كلها اليوم تسير في صالح الكيان المغتصب.
التاريخ لن يرحم أحدا من المساءلة وسيسطر في صفحاته السوداء ؛ أن ما عجزت "إسرائيل" عن تحقيقه بقوة السلاح حققته بالحيلة والصفقات ، وما فشلت فيه في حروبها العسكرية مع العرب ؛ أهدي لها البعض على طبق من ذهب ، لم تحرك سوى سياستها التي تلعب بها كما تلعب بالعرب اليوم وهم في حروبهم يعمهون وفي نزاعاتهم مغيبون، همهم الأول أن لا يتفوق أحدهم على الآخر، وألا يصبح لدول كانوا يرونها صغيرة في أعينهم شأن كبير.
ماذا لو كانت صفقة القرن لهدم الكيان المغتصب وإحياء حلم العودة الفلسطيني واسترداد حق الشعب الفلسطيني وقدسنا الشريف ؟ بدلا من صفقة إسرائيلية، أو على الأصح صفعة أخرى من الصفعات التي وجهت لأمتنا منذ وعد بلفور حين أعطى من لا يملك لمن لا يستحق، وزرع هذا السرطان في جسد الأمة ونجح السرطان في الانتشار ليصبح أقوى وأقوى، إلى متى ستظل "إسرائيل" تنتصر علينا ؟ وهذه المرة دون حروب بل بأيدينا وبصفقاتنا وأموالنا "إسرائيل" ماضية في طريقها ونحن أضللنا الطريق يا عرب، فهل من عودة، ولا نريده كحق العودة الذي لم يتحقق بعد ، اللهم سلم.