شبكة قدس الإخبارية

حلاقو سوق العطارين بالخليل يتحدون الاحتلال: صابرون وباقون

هيئة التحرير

الخليل- خاص قُدس الإخبارية: منذ أكثر من نصف قرن، يواصل حلاقو البلدة القديمة في الخليل المهنة ذاتها بثبات وطني، لم يكن مجرد مهنة ورثوها أو مصدرًا للقمة العيش، بل حفاظًا على المكان من المصادرة، وتحديًا لإجراءات الاحتلال الهادفة لتهويده.

وما يزال الحلاق محمد رشاد شبانة، يحتفظ بذاكرة خصبة قبل بدء احتلال الخليل وتهويدها، ويحتفظ بالأدوات القديمة التي كانت تستخدم في الحلاقة، إذ يمتلك ماكينة يابانية عمرها 15 عامًا ومقصًا يعتبره جديد نسبيًا عمره "5 سنوات".

يقول الحلاق شبانة بينما يتكئ على كرسيّ أمام محله الصغير بجدرانه المقوسة القديمة منزوعة الدهان: "هذا المكان سوق العطارين، لا أعرف تاريخ بنائه بالضبط، لكنه قديم جدًا، وكانت كل التجارة وخيرات البلد في قلبه".

وأضاف لـ"قُدس الإخبارية" طول عمري وأنا حلاق، جدي وأبوي حلاقين ورثوني إياها، وعندي ماكنات قديمة وماكنات يد، هذول ممكن نستخدمهم مدى الحياة، الأدوات تجددت وظهرت ماكينات الحلاقة الكهربية، لكن الحلاقة هيَّ هيّ".

وتابع، "لا تتوقف مهنتي على قص وتهذيب الشعر واللحية، بل أعرف أيضًا خلع الطواحين، وعمل كاسات الهواء، والحجامة، فالحلاق كانت له قيمته ومعارفه الكثيرة، التي ما زلنا نحتفظ بها ولا ننساها".

أما عن قصّات الشباب هذه الأيام، يقول شبانة "اليوم الشباب صاروا يعملوا حلقات ما أنزل بها من سلطان، وما برغبونا لأنه احنا بنحلق حلقات ختيارية، وكل جيل إله جيله"، مضيفًا "احنا ما بنعمل هالحلقات لأنها حرام، واحنا بنحب الرزق الحلال".

وفيما يتعلق بالأجور والأوضاع المادية، فوصف الحركة على المحل ضعيفة، قائلًا "بعض أيام بعمل 50 شيكل، على الأقل ليوميتي، في المقابل هناك محلات لا تحصل على شيء طول اليوم، ولا يستطيع أصحابها تأمين قوت يومهم وأولادهم".

وأردف شبانة في حديثه، "الحلاقة لا تحتمل الإيجارات الكثيرة، فأجرة محلي 50 دينارًا، وما أعمل به خلال اليوم أضعه في جيبتي لأعيش، ولا نتعامل بالتسعيرات للزبائن، بعضهم يدفع 10 شيكل وأحيانًا 15 ونادرًا ما يدفع أحدهم 20 شيكل".

وحول أنواع القصات التي يحلقونها لزبائنهم، أوضح "بحلق حلاقة عادية ما في موديلات، زمان كنا ناخد الشعر على جنب الراس يقولوا قمر، ونعمل غرة، وبعدين طلعت القصة الإنجليزية والإفرنجية، أما موديلات الأيام هذه بدها تعليم، عنا شباب بقصوها بس كلهم بأشغالهم".

"والله بكفي إني بجوار سيدنا إبراهيم، ورخيص ايجار الدكان وهي إحنا قاعدين، فاحنا مرابطين إن شاء الله ربنا يكتب لنا الأجر والثواب" يقول شبانة بشغف كبير، مضيفًا "نحن صامدون هنا ومحتسبين أجرنا فيه، المنطقة تعزّ علينا ونحبها ولا نتنازل عنها".

وناشد حلاقو سوق العطارين الجهات المسؤولة بإنشاء سوق حرة وفتح دكاكين في المكان، نسمع بالدعم لكننا لا نراه، كما أن الإغلاق جعل بعض أصحاب المحلات يتركون محلاتهم ويذهبون إلى الزاوية".

وأضاف، "الاحتلال خلّى الناس تترك محلاتها، الأصل إنه السلطة تفتح الدكاكين، حتى لو اضطروا لبيع بضائع الصنف بشيكل، عشان الناس تقبل على السوق، وما نخسره للأبد".

حلاقو الخليل: ماذا نفعل؟

أما الحلاق محمد جابر من الخليل، الذي يمارس مهنته في المحل نفسه منذ 48 عامًا، عايش فيه كل التغيرات على البلاد، وشاهد انتكاساتها، يقول "هذه هي أسوأ الأيام، وقديمًا كنا نعمل أكثر وبمجالات أكبر، اليوم المنطقة تغيرت".

وأضاف خلال حديثه لـ"قُدس الإخبارية"، "كان الزبون يبقى منفوخ وجهه ومليان صديد، نسحبه بالكلبة وينزل كل إشيء وينظف، نجيب قطنة ونحط فيها ملح، ربع ساعة يكون ما في ولا حاجة".

وتابع، "كنّا نسحب دم، ونقلع طواحين، ونعمل قطرة من ملح الزنك، للختيارية والعجائز والنساء، في زجاجة صغيرة نضع القطرة للعينين، معقبًا "كانت أفضل من قطرة هالأيام".

أما عن الأجور، فيوضح "كنا ناخد قرشين قرش ونص على الواحد، لكن كان كيلو الدجاج شيكلين، كيلو الطحين بليرتين ونص، وبرميل الكاز بـ 40ليرة، كيلو اللحمة بدينار، كانوا يجيبوا المصاري" بحسب قوله.

وعن أوضاع اليوم يوضح أن الأمور تزداد سوءًا، فالإقبال ضعيف جدًا، والشباب هذه الأيام يريدون قصات حديثة، لا ننفذها لأننا نعمل حسب الأصول ونحترم أنفسنا، لذلك الزبون الذي يموت لا يمكن تعويضه".

وتابع جابر " الشباب اليوم ما شاء الله، بدهم حلقات حسن الشافعي، الحركة ضعفت، وبعض المحلات سكرت، ما بتلاقي 50 دكان مفتوحة، وجود الناس قليل، اللي بيجي بصلي في الحرم ما بعاود يرجع".

وبحسب حلاقي المكان، فان المسبب الأصلي لهذه الأزمات أيضًا هو الاحتلال ومستوطنيه بالدرجة الأولى، فالأمور اختلفت منذ مجزرة الإبراهيمي وإغلاق السهلة والأسواق، ووجود الجيش يغلق المنطقة بالكامل، إضافة إلى مضايقات المستوطنين ومشكلاتهم".

ووجّه الحلاق جابر سؤاله إلى بلدية الخليل ولجنة الإعمار والمحافظ، قائلًا "لماذا نسمع عن الدعم لكننا لا نراه، كانوا يعطوننا 200 دينار، لكننا منذ سنوات لا نرى أحدًا"، معقبًا باستنكار "شو نعمل؟ نبيع الدكاكين للمستوطنين؟ّ"

ويرفض حلاقو سوق العطارين إغلاق او نقل أماكن عملهم نتيجة ارتباطهم بالمكان ولتفويت الفرصة على الاحتلال في السيطرة على البلدة القديمة، بالرغم من تردي الأوضاع الاقتصادية وشبه تلاشي إقبال الزبائن عليها.

  تصوير: ساري جرادات