إنّ الرجولةَ لا تَنبُتُ إلّا في تربةِ المصاعب وإنّ المخلصين لا يولدون إلا من رحم المعاناة وإنَّ القائد الذي يستثقِل أعباءَ النِضال ولا يُقَدِّس حياةَ العزةِ لن تُحفرَ ذكراهُ في وِجدان شعبه هكذا كان مكتبه أرصفة الشوارع بوصلته بيوت الأسرى والمنسيين ومن زقاقِ بيتٍ إلى زقاق بيت فلا حَرُّ الصيف يوقفه ولا بَرْدُ الشتاء يَمنعُه من أنْ يُشارك الأهالي وقفاتهم واعتصاماتهم وزيارة بيوتهم الحزينة دائماً أو التي بعودة أسيرها تفرح أحياناً.
قائد من صُنع الثورة ليس من قادة الزيف والتسلق ولا من قادة الصُدَف إنه قائد تَخَرّج من زنازين التحقيق والشبح منتصراً برتبة قائد وبمرتبة الشرف والطهر.
عيسى قراقع إليك نعتذر باسم عذابات أمهات الأسرى التي طأطأتَ رأسك لهنّ فقط وقَبَّلتَ أيديهن كأمك التي رحلت وأنت في خضم معاركك من أجل الأسرى والتي ربما غفلتَ عنها وأنت مع تلك الأمهات.
عيسى قراقع إليك نعتذر باسم الأسرى في مسلخ الرملة باسم المبتورةِ أقدامهم والخارجة أمعاؤهم خارج بطونهم بسبب سجنٍ مظلم وسجّان ظالم وخذلان الوطن لهم باسم معتصم وناهض والسايح والشاويش ونواجعة وموقدة وكل الأجساد الملقاة هناك على أسرة الحديد الصدئة أولئك المعذبين هناك الذين كنت لهم نعم الاخ وخير السند.
عيسى قراقع إليك وحدك نعتذر باسم الأسرى في السجون باسم أولئك القامات التي أرادها البعض صغيرة فكانت كبيرة وأرادوا تغييبها عن وجدان الشعب فكانت تضحياتهم تسطر في دفاتر الأطفال ولم تبخل عليهم بوقتك وجهدك للحديث عنهم وتذكير الناس بهم.
عيسى قراقع إليك نعتذر إليك نعتذر نحن معاشر الأسرى المحررين وأنت من وقفت معنا منذ لحظات اعتقالنا من البيوت فلم تبخل بالسؤال عنا وعن أحوالنا وقراءة تقارير المحاميين للاطمئنان علينا وعند الإفراج لا تبخل علينا بزيارة بيوتنا للسؤال عمن تركناهم خلفنا من أسرى منسيين في ذاكرة الكثير من القيادات إلّا من ذاكرتك.
عيسى قراقع تعتذر إليك الأسيرات المضطهدات والأمهات المغيبات عن أطفالهنّ في هشارون وتلموند تعتذر إليك المحررات اللواتي كنت لهنّ أخاً كريماً معطاءً.
عيسى قراقع تعتذر إليك خيام التضامن في ميادين الضفة التي لم تفارقها يوماً تأتيها صباحاً دون أن تشرب قهوة الصباح مع زوجتك ولا تغادرها إلى مساءً فكنت شمسها وقمرها.
عيسى قراقع نعتذر لك نعتذر لابنتك أسيل فقد أخذناك منها وانشغلت بنا عنها فلتسامحينا يا أسيل واغفري لأبيك الذي لم ينساك بل كان يعلم حجم تلك الأمانة أمانة قضية الأسرى بهمومها وعذاباتها التي أشفق الجميع من حملها فحملها هو وكان لها حارساً أمينا.
عيسى قراقع تقبل أعذارنا واعلم أنك في قلوب الفقراء والمستضعفين والمنسيين والمعذبين والمقهورين لن ننساك فما قمت به محفورا في قلوبنا وعقولنا وتاريخنا فكما حُفرت خيانتهم للشرف في ذاكرة الكرامة فمواقفك حُفرت في سجل العزة وذكرك بالخير دائم وذكرهم بكل شيء زائل سلامٌ عليك سلامٌ إليك وسلامٌ لرفيق دربك الثابت على ذات النهج قدورة فارس.