فلسطينا صغيرة كثير، عمّروها أهالينا ومساحتها أكثر من 2 كم مربع بشوية صغيرة، كنا ونحنا صغار نلعب بطيرة حيفا والطنطورة والجاعونة "فطبول شوارع"، والجيران يتضايقوا منا وتطلع جارتنا إم حسين تصّرخ وتخانق علينا.
درسنا الابتدائي بكوكب أبو الهيجا والنقب، والإعدادي بالكرمل والقسطل، من بيتنا لهناك ما كانت تستغرق أكثر من 10 دقايق مشي، بس لمّا نمرق من الجاعونة، نوقف عند بياع الفول وأحياناً نتأخر شوي ع الدرس
لما كبرنا شوي وصرنا نهتم بالصبايا نروح ع لوبية لإنه في هناك سوق، وكل أهل فلسطينا تقريباً اذا ما بتسوقوا بروحوا بتمشوا هناك، عجقة لوبية مش مثل أي عجقة، ليلة العيد ما بتقدر تمشي بين الناس ولازم تستخدم روس أصابيعك وعشان تقطع لوبية من أوله لآخره بدك عالأقل ساعة.
واحتمال إذا الك نصيب وتعرفت على شي صبية فلسطينية حلوة من عنا وحبيتها وحبتك ونويتوا الخطبة، تروحوا تشتروا الدبلة والتلبيسة من عند فريج بصفد، وبطريقكم بصفد تروحوا تشتروا عوامة أو هريسة، الأطيب طبعاً كنافة نابلسية على أصولها.
الجمعة الناس تصلي بجامع فلسطين بالقدس، وتلاقي صفوف الصلاة طالعة للحارات والشوارع، وتجار كثار يبيعوا ع البسطات وكمان عجقة الجمعة بالقدس مميزة
من الشارع الرئيسي بفلسطينا تروح ع اللد والرملة وعين غزال والشجرة وديرياسين وأم الفحم، ومن لوبية بتقدر تروح ع حيفا وصفورية
هي فلسطينا مثل ما قلتلكم صغيرة، هيك عمروها أهالينا، لإنهم بدهم يظلوا يتذكروا ويذكرونا بفلسطين اللي تهجروا منها، فلسطينا الصغيرة فيها الناصرة وعكا وحيفا ويافا والقدس وحتى كل هالقرى الصغيرة والكبيرة، مش ضروري تكون لوباني وساكن بلوبية، أو طيراوي ولا صفوري وساكن بالطيرة ولا صفورية، ممكن تسكن بيافا أو الشجرة أو اجزم أو أي مكان انت مش منو.
كنا عايشين حلم انو مش راح نترك فلسطينا إلا على فلسطين اللي كانت تحكيلي عنها ستي، وقتها إذا بدي أزور القدس لما نرجع ع الطيرة بالكرمل جنب حيفا، راح أقطع 150 كم، ومش كم مية متر مثل فلسطينا الصغيرة.
حيفا ويافا وعكا والناصرة والقدس مش شوارع وحارات صغيرة، راح تكون مدن كبيرة وواسعة وفيها معالم مختلفة عن المعالم اللي منعرفها بفلسطينا
يمكن لإنو حاولنا بـ 1552011 نبطل نحلم ونرجع على فلسطين اللي حكولنا عنها الكبارية تمت معاقبتنا، وصارت أول مجزرة بفلسطينا بتاريخ 662011 بالخالصة واستشهدوا عشرات الشباب، حسينا بعدها انو فلسطينا وهالحلم اللي كنا عايشينه صار يقلب كابوس!
فجأة صارت تنفجر سيارات بعين غزال والقسطل، بعدها قصفوا الجاعونة بالهاون، طيران الميغ الحربي ضرب جامع عبدالقادر الحسيني بصفد، الاشتباكات المسلحة عبّت لوبية والقدس، ومن كثر الضرب والمجازر ما كان في خيار قدام الناس إلا إنها تتهجّر لمرة ثانية وثالثة ورابعة !
وبيوم 17122012 كانت الهجّة والنكبة الثانية لأهالينا والأولى إلنا، الناس كانت مثل يوم الحشر طالعة وحاملة شوية أغراض على أمل إنو بس تهدى الأوضاع ترجع لبيوتها، بس كأنه الكبار بينا كانوا عارفين إنو مش راح نرجع أبداً، بوسط هالحشود الغفيرة كانت الدموع عم بتنزل من عيونهم بهدوء، همي عاشوا هاللحظة قبل هالمرة، بس كانوا بعمرنا شباب أو بعمر أطفال فلسطينا الصغيرة، وصارت اللحظة مثل فيلم عمبشوفوه للمرة الثانية، يمكن الفرق هالمرة إنو الناس ركبت البحر وبعدت كثير ومنهم اللي ارتاح بقاع المتوسط
فلسطينا تحاصرت، منعوا عنها لقمة الخبز والمي، شوية هالناس اللي ظلت جوا عانت الأمرين، أكثر من 170 انسان مات من الجوع، والقصف والاشتباكات ظلت شغالة وحصدت مئات من الأرواح، وحتى الشباب اللي اعتقولهم استشهدوا بفلسطين .... فرع فلسطين!
اللي ظلوا محاصرين من أصل 900 ألف بينهم 300 ألف فلسطيني هجّوا, كانوا ما بتجاوزوا 18 ألف مدني قرروا يصمدوا بفلسطينا جوا ويظلوا عايشين الحلم رغم كل هالكوابيس، حدا بترك لوبية وصفد والقدس وكل هالأماكن اللي ربينا وعشنا فيها؟؟
القرار عند كل الأطراف كان إنهم يمحوا هالحلم من مخيلتنا، وهيك فجأة يوم 142015 مثل كذبة نيسان دخلًوا تتار العصر وقطًيعة الروس على فلسطينا الصغيرة، وكمان مرة هجّت العالم على أمل ترجع بس تهدى الأوضاع!!!
ظل هالأمل موجود بظل كل الحصار والدمار والتهجير، لحد يوم 20/4/2018 لما بلشوا يقصفوا القدس وحيفا ويافا وعكا ولوبية والجاعونة وصفد وديرياسين وكل فلسطينا الصغيرة بشتى أنواع الأسلحة التدميرية والفتّاكة، استمر التدمير مدة 30 يوم، قتلوا كل ذكرياتنا وحلمنا اللي عشناه، قتلوا فلسطين اللي منعرفها وتحولت لركام
ما كفاهم التدمير، دخلوا وسرقوا كل ذكرياتنا بظاهرة بسموها التعفيش، نحنا منعرف إنو اللي بعفّش بيته معناها يفرشه ويأسس لحياة وأمل جديد، همي قتلوا الحياة ومسحوا الذاكرة، ذاكرتنا نحنا، بفلسطين تبعتنا، اللي بتذكرنا بفلسطين
اليوم وبعد كل اللي صار كل ما أحكي مع حدا من فلسطينا الصغيرة واللي تهجروا بكل بقاع هالعالم الواسع بس الضيق علينا، وصار اذا بدنا نزور بعض لازم نركب طيارات ونلاحق فيزا ونبتكر طرق تهريب، كلنا منقول أي فلسطين ما فيها لوبية وصفد والقدس وعكا وحيفا ويافا والطيرة وصفورية والنقب ما بتعنينا لإنو هيك منعرف فلسطينا، وأي فلسطين غير هيك راح تكون غريبة ومشوهة
يمكن لسّاتنا عايشين الحلم، حلم الرجعة على فلسطين، بس كيف بعرفش، نحنا خلقنا واجينا على هاي الدنيا منحلم، منعرفش إلا ما نحلم!