حراك العودة وكسر الحصار، المزمع انطلاقه يوم الجمعة القادم، أراه ضرورة ملحة لمواجهة التحديات المفصلية التي يعيشها قطاع غزة، وتعيشها القضية الفلسطينية، وذلك بسبب النتائج المرجوة والمتوقعة منه، وحجم تأثيره على الاحتلال.
والحراك -كما هو مخطط له- سيستمر على الأقل أياماً أو أسابيع، على شكل اعتصام شعبي سلمي قرب الحدود، وعلى بعد مئات الأمتار من السياج الفاصل بين قطاع غزة وأماكن تمركز الاحتلال، الأمر الذي سيشكل حالة من الاستنزاف لألوية قوات الاحتلال المحيطة بقطاع غزة، والتي تخشى من لحظة اختراق الحشود للحدود، وهي اللحظة المفترضة غير المعلنة أو المحددة.
من الجيد أن الدعوات الآن هي للاحتشاد قرب الحدود وليس اختراقها، على الأقل حتى تنكسر رهبة الاقتراب من الحدود عند الجماهير، ومن دون أن يرى العالم الحشود الشعبية لأسابيع أو أكثر، وهي تطالب بحقوقها العادلة والإنسانية، فإن المخاطرة ستكون عالية.
من شأن هذا الحراك أن يعيد استنهاض الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، وأن يعيد استنهاض الأمة وحثها على التصدي لمشاريع التطبيع ومحاولات تصفية قضايا القدس واللاجئين وحق الأمة في فلسطين ومقدساتها، ضمن ما بات يعرف بصفقة القرن.
هكذا حراك إن كُتب له النجاح سيعيد ثقة الشعب الفلسطيني بنفسه، وسيبعث أملاً جديداً في روح شعوب الأمة، حتى تشارك الشعوب في تقرير مصيرها، وتحمل مسؤولياتها تجاه نفسها، وأرضها، وحقوقها. من شأن ذلك أيضاً أن يعيد الاعتبار إلى القضية الفلسطينية وعدالتها، كونها قضية حقوق تاريخية، ولاجئين، ومعاناة إنسانية، لا مجرد قضية سياسية، بالإضافة إلى فضح حصار الاحتلال، ومحاولات تهربه من مسؤوليته عن الأوضاع الكارثية التي يعيشها قطاع غزة.
كما أنهم يريدون لنا من خلال تشديد الحصار والعقوبات على قطاع غزة إما أن نحترق داخلياً بنيران الفوضى والاضطرابات، أو ننفجر عسكرياً في وجه الاحتلال، يسبق هذا استنزاف طويل وإنهاك شديد، ولكن الحراك سيكون أقل تكلفة من كل الذي سبق، ومن شأنه إن كانت المشاركة فيه كبيرة وفاعلة وتضافرت فيه جل الجهود أن يعيد لنا الكثير من الحقوق بإذن الله.
وليس عنا ببعيد انتصار المرابطين في حراك القدس، الذي انطلق بعد منتصف العام الماضي، ضد البوابات الإلكترونية، والإجراءات الصهيونية في محيط وداخل المسجد الأقصى، وقد ثبت لنا من خلاله أن الاحتلال من الممكن أن يتراجع أمام تصاعد غضب الجماهير، وخوفاً من تفجّر انتفاضة شعبية تقوض أمنه لفترة غير محدودة.
الاحتلال يتدرب منذ سنوات طويلة على التعامل مع المقاومة المسلحة والجيوش النظامية، وقواته -خصوصاً على جبهة غزة- ليست مدربة ولا مستعدة تماماً للتعامل مع الحشود الشعبية الكبيرة عند الحدود، خصوصاً وهي ترفع مطالب إنسانية وشعارات نصت على أحقيتها الأمم المتحدة ذاتها وتلقى قبولاً عالمياً، مرتبطة بحاجيات إنسانية، أو بعض قرارات الأمم المتحدة مثل قرار 194، وهو تحدٍ غير عادي، واختبار تاريخي، إما أن يخسر أمامه الاحتلال صورته الديمقراطية والأخلاقية الوهمية التي يصدّرها للعالم، أو يتراجع أمام إرادة الشعب الفلسطيني.
أظن أن الاحتلال سيحاول منع الحراك بالسبل كافة، ربما لعجزه عن وضع تصورات كاملة لطبيعة التعامل معه، وذلك من خلال تسخين الأوضاع بافتعال تصعيد وتوتر قرب الحدود، ومن خلال الشائعات، وغيرها من الأساليب، وهو ما ينبغي الانتباه له، ولا خيب الله المساعي الصادقة والآمال الصافية.
قد لا تكون هذه المسيرة وهذه الفعاليات في أضعف حالاتها كافية لرحيل الاحتلال عن أرضنا لكنها كافية على الأقل لتهز استقراره، وكل ما يهز على استقرار الاحتلال يعتبر مقاومة، سواء كان رصاصة أو مظاهرة أو حتى كلمة.