عندما سمعت كلمة إنجاز لأول مرة بعد نتائج امتحانات التوجيهي، ظننت أن كلمة انجاز هي اسم للتطبيق المحمل للنتائج. وبعد أن علمت أن انجاز هو الاسم الجديد للتوجيهي، حسبت أن هذه النتيجة تبدو محصلة وعد وزير التعليم بالتغييرات الجذرية بنظام التوجيهي منذ توليه منصبه (الانتقالي-المؤقت) للوزارة.
وقد يكون الوزير قد اختار ما قل ودل. وعد ونفذ في كلمة واحدة. فتغير التوجيهي إلى إنجاز، ولن أسأل عن الإنجاز فالتوجيهي في ضغوطاته ومأساويته لم يتغير من حقيقته أي شيء. والمتابع للتغييرات التي حدثت للمناهج منذ تولي الوزير مقاليد وزارته لا يسعه إلا لكم خديه باللطمات. فمع بداية كل عام دراسي جديد نكتشف مأساوية الأخطاء التعليمية والتربوية بالمناهج. ولأن الكلام وعدمه واحد، فلن أخوض بهذا النقاش مجددًا.
ولكن، لا يمكن المرور عن وزارة التربية والتعليم مع بداية العام الجديد هكذا مرور الكرام. والمطالبة بأجوبة شافية لوزير التعليم ليست للفضول ولكنها للمساءلة. فمستقبل أبنائنا المهدد أصلا بمأساوية وجوده يتعرض للاندثار التام في ظل التطورات الحاصلة.
موضوع المناهج والأخطاء المتكررة بها، ليس بالموضوع العابر. إلى متى سيستمر التعامل معنا على أننا فئران تجارب في مختبرات تشغلها جرذان؟ التعليم في فلسطين في حالة يرثى لها نرى مأساوية نتائجه بالأيدي العاملة التي يتم تصديرها إلى أسواق التشغيل من غياب وانعدام للكفاءات على كافة الأصعدة، "التعليم، القضاء، الأمن، الصحة، الاقتصاد".
كل مرافق المجتمع تالفة، والنظام التعليمي أساسي في المسؤولية. فمسؤولية بناء مجتمع قويم تتوازن بين بيت ومدرسة. الأساس يبدأ وينتهي من وإلى المدرسة. ومسؤولية الوزير ليست بالسهلة، ولا تقتصر على إنجاز في تغيير اسم التوجيهي إلى إنجاز.
يبدو أن الوزير لا يعي أن عقدتنا بالتوجيهي ليست باسمه ولكن بمحتواه، وللحقيقة. أن تغيير الاسم خطأ لو تفكر أحدنا به، فهو جزء من دلالات موروثنا الاجتماعي. لماذا علينا أن نغيره من توجيهي إلى اسم لا يعني من صفاته شيء. حتى أن التوجيهي يحمل دلالاته في اسمه، صحيح أننا نعترض عليه ولكن يحمل في اسمه دلالاته، فهو نتاج لعملية توجيهية من طريقة تعليم معينة لسنوات متتابعة. أما إنجاز فماذا يحمل من دلالة؟دلالة مقدرة وزير على تغيير اسم؟!
وبينما أعبث برأسي بالكلمات والدلالات، التفتت إلى اسم جديد في عالم التربية والتعليم بينما كنت أحاول فهم ما يجري من مأساة تلحق بأربعة آلالف طالب وطالبة بكفر عقب.
موضوع مأساوي بكل النواحي. من أين ممكن البدء؟ من الغياب المطلق لدور وزارة التربية والتعليم في ضياع 4000 طالب وطالبة و”شحططة” 4000 عائلة مع بداية العام الدراسي؟ أم من غياب المعايير في المدارس أدى إلى إغلاق هذه المدارس وعدم تجديد الترخيص لها؟ أم جشع الأفواه التي جعلت من التعليم مصدر دخل واقتناص لفرص صناعة الأموال. منذ صار الطالب بـ 600 شيكل عالراس؟ أم غياب دور السلطة الصارخ في موضوع التعليم في القدس ورمي الطلاب وأهلهم بين فكي جشع المستثمرين ومخططات الاحتلال؟
أم مما سيترتب على هذه الخطوة من إجراءات احتلالية بموضوع سحب الهويات وفصل بعض المناطق التي تعتبر كفر عقب إحداها عن القدس؟ أم نتوقف أمام المشكلة الحقيقية التي أدت إلى افتراس الطلاب والعائلات والمجتمع من قبل عصابات الجشع وسلطة غائبة إلا عن مصالح أصحابها المباشرة؟
توقعت أبسط ما يمكن لمواطن توقعه في ظل مصيبة كهذه. أن يخرج علينا الوزير ببيان صحفي يطمئن فيه الأهل. أن يذهب إلى كفر عقب ويرى بنفسه المشكلة ويخرج علينا بمنشور تفصيلي توضيحي عن الأزمة وعن حلول، أو حتى محاولة حلول. ولكن كالعادة التي صارت من صفات هذه الوزارة، فاجأنا الوزير بالإعلان عن مسابقة “إبداعية” باسمه! وصورته!!
سيدي،
يبدو أن هناك سوء فهم بما تعنيه مهام هذه الوزارة من تحقيقات وانجازات. التاريخ لن يذكر أن تغيير اسم التوجيهي لإنجاز إلا من أجل الاستهزاء واختراع كلمات لا تمت لمسابقة قدرات بالانجليزية أو الرياضيات أو غيرها من أجل أن نقرأ بالنهاية إلا اسمك لن يكون إلا عارًا لتاريخ التعليم في فلسطين.
سيذكر التعليم أن حرف السين تحول إلى صاد من أجل أن يركب على اسم الوزير. وأن التقييم المهاراتي والتفصيل العرضي لمراجعة الكلمات (skills assessment broad revision assessment ) يؤكد فقط على أن من جاء بهذه الفكرة المبتكرة قد تخرج من مدارس وجامعات تحت غطاء نظام تعليمي يعاني من إشكالية وجودية.
ولو تتوقف قليلًا تنظر إلى هذه اللحظة. هذا الشعب ليس بالغبي. واللغة الإنجليزية بالمناسبة تطورت مع أولئك منا اليوم في خضم مواكبة العالم المتحضر. فصرنا ولله الحمد أكثر استيعابًا لتركيب الجمل ولم نعد نخاف من الكلمات الكبيرة.
نعم نحن في أمس الحاجة لمنهاج جديد، نهج آخر في التعليم، ولكننا لسنا بحاجة لكتب جديدة. نحن بحاجة إلى منهاج ينهض بالمجتمع ويطلق العنان لابداعاته، منهاج يساعد على إطلاق الطاقات عند الطلاب، ليس من الناحية الأكاديمية فقط.
كم من الساعات وورشات العمل انفقت على المناهج الجديدة؟ لتأتونا بكتب ملونة تتبع أحيانا أساليب تحاول حث الفكر وتنتهي بمجموعة من الأفكار المسبقة الموجهة. لم يتغير من المنهاج مبدأ أساسي في الاعتراض عليه، وهو عملية حشو المعلومات.
اتقوا الله في هذا الشعب. فمستقبل أبناءنا لا يحتمل العبث فيه ولا يمكن الاستهتار به أكثر. نحن في وضع لا يمكن تقبل ما هو أسوأ مما نحن عليه. فنحن في ظلمات الجحيم الذي وصفه دانتي فارحمونا.