يصل مستشار وصهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر والمكلف بدور مبعوث السلام إلى الشرق الأوسط لزيارة المنطقة مصطحبًا معه مبعوث الرئيس الخاص للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات، ونائبة مستشار الأمن القومي، دينا باول، تشمل فلسطين وإسرائيل والأردن ومصر والسعودية والإمارات وقطر، بهدف مناقشة "استئناف محادثات السلام في الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب والأوضاع الإنسانية في غزة".
لا تقف التفسيرات في هذه الزيارة عند الخلافات حول رؤية الإدارة الأميركية "للعملية السلمية" في المنطقة بين مساعي الإدارة السابقة للرئيس باراك أوباما وإدارة الرئيس دونالد ترامب، بل تمتد إلى الحديث عن تباينٍ في أسلوب إدارة الملفات الخارجية الأميركية بين الإدارتين. فالاضطراب الواقع بين الإدارة الرئاسية الحالية والمؤسسات الرسمية، ساهم في إعطاء أهمية لدائرة "الثقة والولاء" والتي تتكون من مساعدي ومستشاري الرئيس ترامب، حتى أضحى بعضهم يتمتع بصلاحيات وزراء وذلك بحكم الأمر الواقع.
أعطى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أهميةً لوزيري خارجيته، ففي الولاية الرئاسية الثانية حظي جون كيري بدورٍ بارزٍ في إدارة سياسته الخارجية وفي إدارة "العملية السلمية" في الشرق الأوسط تحديدًا، فحافظ على منصب مبعوث السلام في الشرق الأوسط شاغرًا طيلة تلك الفترة. وعلى العكس من ذلك، فالبرغم من التخبط الذي ساد في منصب مبعوث السلام في الولاية الأولى، بتعيينه الديمقراطي جورج ميتشل، الذي وسمه بأنه "رجل المهمات" وصاحب المهارات "الخارقة" في التفاوض، وخليفته المؤقت ديفيد هيل، مساعد مادلين أولبرايت السابق، وصولًا إلى مارتن إنديك الباحث السياسي البارز في معهد بروكينغز في واشنطن، إلا أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون حافظت على أهمية دورها في المنطقة. وهذا لا يعني نجاح إدارة إدارة أوباما لملف السلام في المنطقة، فحماسته وإصراره الدبلوماسي في الفترة الأولى، قابله إنسحابٌ تدريجيٌ من المنطقة وصولًا إلى انهزامٍ أمام عنادِ نتنياهو مع نهاية ولايته الثانية، بتقديمه أكبر هدية أميركية في تاريخ العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، عندما رفع قيمة المساعدات العسكرية من 3.1 مليار دولار إلى 3.8 مليار دولار سنويًا، وعلى مدى عشر سنواتٍ تنتهي في العام 2028.
وفي المقابل، بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالبحث عن مقاربةٍ جديدةٍ لإدارة ملفاته الخارجية وملف عملية السلام على وجه التحديد، خارج صلاحيات وزير خارجيته ولأفرادٍ يشغلون مناصب استشارية بعضهم لا يمتلك الخبرة والدراية الدبلوماسية. ففي إطار التطورات في المنطقة، عاد الحديث عن إرسال صهره كوشنر فاقد الخبرة السياسية إلى جانب طاقمه للمرة الثانية بعد الزيارة في يونيو الماضي، والذي صرّح مؤخرًا حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بأنه "قد لا يكون له حل وأن الوضع قابل للانفجار ولا أعرف ما إذا كان بالإمكان الحفاظ على الهدوء الراهن" وقال "نحن لا نريد درسا في التاريخ، فقد قرأنا ما يكفي من الكتب".
وفي سياق متصل خارج إطار المنطقة، أثنى ترامب على ابنته ومساعدته، إيفانكا خلال لقاء مجموعة العشرين بعد جلوسها لفترة وجيزة جنبًا إلى جنب مع قادة المجموعة لتناقش قضية التنمية الأفريقية عندما غادر الرئيس القاعة لعقد بعض الاجتماعات الفردية، وقبل الرئيس الأميركي دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ، للزوجين المؤثرين داخل البيت الأبيض، إيفانكا وكوشنر لزيارة بكين بصفة الأخير مُكلف بإدارة العلاقات مع الصين إلى جانب ملف "العملية السلمية" في المنطقة، وفي مقابل ذلك، تماشى بمبدأ التوازن في العلاقة مع تدخلات المؤسسة الأمنية بصلاحياته عندما قام بتعيين مستشاره للأمن القومي هربرت ماكماستر وأوكل إليه مهمات عديدة أهمها إدارة العلاقة مع روسيا.
وبالعودة لزيارة كوشنر للمنطقة، يبقى إرسال ترامب لزوج ابنته وطاقمه للحديث حول "العملية السلمية" والتعديلات التي تطلبها الإدارة الإسرائيلية لاتفاق خفض التصعيد وتطورات الوضع في سورية والأزمة الخليجية، والتي عادةً يقوم بها وزير الخارجية، مؤشرًا جديدًا على حجم الاختلاف في المواقف بين الطرفين حول بعض القضايا الخارجية، وإمعانًا جديدًا في تقييد صلاحيات تيلرسون، وهذا ما ظهر عندما رفض طلبه بتعيين أفرادٍ في وزارة الخارجية إما لكونهم ديمقراطيين أو لانتقادهم سياسة ترامب خلال حملته الإنتخابية، وقد وصل تحجيم مطالب تيلرسون للطلب عبر البيت الأبيض بتقليل ميزانية وزارة الخارجية.
وفي إطار توضيح التضارب في طريقة إدارة الملفات الخارجية بين الإدارتين، فإن ترامب الذي يواجه أزمة داخلية تتعلق بقضية العلاقة مع روسيا خلال الحملة الانتخابية وقانون الرعاية الصحية وتصريحاته حول حادثة تشارلوتسفيل، يسعى لتثبيت مستشاريه في إدارة ملفاته الخارجية بالرغم من التغييرات الدائمة، وفيما يتعلق بالمنطقة يسعى إلى تمكين كوشنر على الولاء، حيث يعرف أنه يستطيع أن يثق في صهره ليخدم جدول أعماله، بالرغم من معرفته أيضًا أن كوشنر لا يمكنه أن يقدم شيئًا لوزير خارجيته ريكس تيلرسون، إلا الإطلاع ومعرفة بعض التفاصيل السرية في هذه الملفات الخارجية وإجراء بعض المناقشات الحساسة دون تأثيرٍ من وزارة الخارجية. وهذا تطورٌ غيرُ مألوفٍ في البيت الأبيض، حيث يفترض ترامب بأن أي مستشار لا يضمن له "الولاء والثقة" لن يكون في إدارته.
لا تشكل عودة كوشنر وطاقمه لزيارة الشرق الأوسط، اهتمامًا من الرئيس ترامب بإيجاد حلٍ عادلٍ فشلت في إيجاده الإدارات الأميركية السابقة، ففاقد الإدارة والإرادة يحيط نفسه بمستشارين ومساعدين يفتقدون لما يجب أن يمتلكوا ويمتلكون ما يجب أن يفقدوا.
ولا شك أن تصريحات كوشنر وطاقمه تدل على؛ ضعف المعرفة بالقضية الفلسطينية، والتماهي مع سياسات وممارسات صديقه الشخصي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يواجه مشاكل قانونية بقضايا فساد، والتقارب العلني المسبوق مع مساعي بعض الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل وتجريم حق الفلسطينيين بالمقاومة، والذي بات أمرًا واقعًا منذ أحداث المسجد الأقصى وعلى لسان مسؤولين سعوديين وبحرينيين وبعض التسريبات الإماراتية.
ويأتي ذلك في ظل سلطة فلسطينية مهترئةٍ، ومتماهيةٍ مع مطالب الإدارة الأميركية، وتدور حول نفسها في حلٍ غير مُجدٍ إلا لمن هم داخل أسوار مقاطعة رام الله وذلك لتحافظ على مصالحها، فقد بات جلّ اهتمامها اتخاذ خطوات عقابية اتجاه قطاع غزة بدأت بخصم ما يزيد عن 30% من الرواتب وتقليص الكهرباء والقرار بإحالة 7000 موظف مدني للتقاعد من وزارتي الصحة والتعليم وليس إنتهاءً بإعادة رواتب أسرى الضفة الغربية وإستثناء أسرى غزة.
هنا يسود اعتقادٌ بأن رؤية ترامب الخارجية بنكهة "المال والأعمال" والتي يشوبها الفوضى نظرًا للعديد من الإقالات، تسعى لتشكيل حكومةٍ خارجيةٍ موازية تتجاوز صلاحيات وزير الخارجية، تبدأ من دائرة "الولاء والثقة" لمستشاريه ومساعديه، وهنا لن يتوانى ترامب عن الاستغناء عن أي مستشار لا يحقق مصالحه التي يراها. ويرى الرئيس الأميركي بخصوص الشرق الأوسط بأن تعظيم مصالحه والإستفادة من "العملية السلمية" يكون عبر عقد ترتيبات مع الدول العربية الساعية للتطبيع، فهذه الدول تعتبر بأن التطبيع مع إسرائيل والترويج "للعلمانية السلطوية" ودعم أنظمة الثورات المضادة والتحالف مع ترامب سيُشكل لها طوق النجاة لمواجهة طوفان تحدياتها. وكما يبحث ترامب في إجراء ترتيبات أمنية ويتضح ذلك من حضور دينا باول للاجتماعات، وهذا له علاقة بالتقلبات الحاصلة في المنطقة. هذا يفرض على الشعوب العربية مقاومة هذه المحاولات واستمرار السعي إلى لرفض هذه المساعي وعلى الفلسطينيين رفض الخنوع لقياداتهم وفصائلهم والنضال لتغيير الواقع الراهن.