من يبحث عميقا وراء الأحداث الجارية في القدس يمكنه التنبؤ بميلاد انتفاضة شعبية في المدينة، في حال استمرار وتصاعد قضية البوابات الإلكترونية.
العنصر الأول في أي انتفاضة هو العمق الشعبي، وهذا ظاهر في المشاركين في الاعتصامات والصلوات والأنشطة.
في باب الأسباط تجد جميع أفراد العائلة، تجد النساء في المقدمة، والرجال والأبناء والبنات، الكبار والصغار، الفقراء والمتوسطين، المثقفين والعمال، العلماء والجهلة، مدفوعون بالقلق على الوجود وعلى الهوية التي يمثلها المسجد الأقصى.
العنصر الثاني في الانتفاضة هو القيادة، وهذه تولد في الاحتجاجات وفي الاحتياجات... فالاحتجاجات تولد من يقودها، والاحتياجات تولد من يلبيها.
الناس هنا، ينظمون أنفسهم وفق الاحتجاجات والاحتياجات، الشبان ينظمون الاحتجاجات، ولديهم وسائل اتصال خاصة عبر "السوشيال ميديا"، والناس العاديون ينظمون الاحتياجات... في البداية كان الناس يحضرون الطعام بصورة عشوائية، فجاء أحدهم بفكرة: تعالوا ننظم العملية، سنسجل أسماء سكان الأحياء، حسب الأبجدية، فمن يبدأ اسمه بحرف الألف يحضر الطعام اليوم، ومن يبدأ بحرف الباء يحضر الطعام غدا، وكذلك الماء وسجاد الصلاة.
شكَّل الناس لجانا مسؤولة عن التنظيف، فالبلدية لا ترسل عمالها إلى "باب الأسباط" للتنظيف، والأعداد الكبيرة من المعتصيمن تنتج نفايات، وهناك حاجة لتنظيف المكان.
ولغياب القيادة السياسية في القدس، يلجأ الناس إلى القيادة الدينية... بالأمس، قبيل صلاة الجمعة، جاء ضابط شرطة إسرائيلي كبير واقترح على المعتصمين الدخول إلى المسجد دون المرور عبر البوابات الإلكترونية، البعض تشجع وقال انتصرنا، والبعض تشكك، وحدث نقاش كبير، وعندما لم يتفقوا على شيء قال أحدهم: تعاولوا نسأل الشيخ المفتي، فهو الذي يقرر، وكان رأي المفتي: لن ندخل إلا بعد إزالة البوابات، لا نريد أن نرى البوابات على مداخل المسجد، والتزم الجميع بما قاله المفتي.
في القدس القيادة التقليدية تحولت إلى قيادة مركزية، وتراجعت القيادة السياسية إلى الخلف، فالناس تثق بالمرجعيات الدينية ولا تثق بالسياسيين، الناس هنا تقول إن السياسيين يبيعوننا في أول "كوربة"، لذلك عندما دعت التنظيمات إلى فعاليات لم يستجب لها الناس.
العنصر الثالث في الانتفاضة هو الاستمرارية، واعتقد أن استمرار البوابات والرفض الشعبي القاطع لها، سيقود إلى استمرارية الحراك الشعبي في القدس، وتحوله إلى انتفاضة، تجمع حولها الفلسطينيين في باقي أجزاء البلاد، في الضفة والقطاع والداخل أيضا، فالداخل يشعر أنه جزء من المعركة، وهذا يظهر في الحضور الفاعل للداخل في كل أحداث القدس.