عندما يسمع الواحد منا بـ " قانون الجرائم الالكترونية" يشعر بالحاجة لوجوده ووضعه موضع التطبيق لوقف كافة أشكال الجريمة التي تمارس عبر شبكة الانترنت من اختراق للحواسيب أو إصابتها بفيروسات تؤدي إلى مسح المعلومات أوالتزوير أو استحواذ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى المواد الجنسية الفاضحة والتغرير بالأطفال وما إلى ذلك من جرائم شائعة في الفضاء الالكتروني.
وفي عام 2001 وقعت عدة دول أوروبية وأخرى عبر العالم على اتفاقية "بودابست" لمكافحة الجرائم المعلوماتية التي وضعت آنذاك لمواجهة التعديات على حقوق الملكية الفكرية والتزوير بواسطة الكمبيوتر والصور الخلاعية التي تستهدف الأطفال وجرائم الكراهية واختراق امن الشبكات.
إن قانون "الجرائم الإلكترونية" الفلسطيني بالقرار الذي وقعه الرئيس محمود عباس في 26/6/2017 ودخل حيز التنفيذ في 9/7/2017 يتماشى في أول 20 مادة منه مع اتفاقية "بودابست" إلا أن ما تبقى من مواده الـ 57 استنسخت من قوانين عدة دول عربية التي أقل ما يمكن أن يقال بها إنها تشكل اعتداء صارخا على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة في فلسطين وعلى خصوصية الشخص والحق في الوصول إلى المعلومات وهذا ما يتناقض مع القانون الأساسي الفلسطيني.
ويأتي سن القانون في ظل أزمات ومآزق سياسية تعاني منها السلطة الفلسطينية في علاقاتها الداخلية وعلاقاتها بالإقليم ، فهناك العديد من المواقع التي تنشر مواد "تحريضية" عليها ذات توجهات إسلامية سواء لحركة حماس أو لغيرها من الحركات بالإضافة لمواقع تديرها تيارات مناهضة للسلطة كتيار محمد دحلان ناهيك عن عشرات المواقع الشخصية والتعليقات الناقدة لأفراد على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي.
وسبق إقرار القانون إجبار النائب العام كافة شركات الاتصال التي تزود الانترنت في فلسطين على حجب دون مبرر قانوني نحو 30 موقعا تنشر مضامين معارضه لسياسات السلطة الفلسطينية، إلى أن جاء "قانون الجرائم الالكترونية" ليغطي ذلك الإجراء قانونيا، إذ تنص المادة (32) منه على وجوب التزام مزود الخدمة بتزويد الجهات المختصة بجمع البيانات والمعلومات اللازمة التي تساعد في كشف الحقيقة بناء على طلب النيابة أو المحكمة المختصة وحجب رابط أو محتوى أو تطبيق على الشبكة الإلكترونية بناء على الأوامر الصادرة إليها من الجهات القضائية بالإضافة إلى الاحتفاظ بمعلومات المشترك لمدة لا تقل عن 3 سنوات.
ولكن ماذا لو دافع المشتركون الفلسطينيون عن خصوصياتهم بتخليهم عن خدمات شركات الانترنت الفلسطينية واستعاضوا عنها بشرائح إسرائيلية متاحة وبوفرة وبأسعار زهيدة تقدم خدمتي الـ 3G و4G؟، هل سيكون لزاما على السلطة الفلسطينية عندها سن قانون "جرائم حيازة شرائح هواتف إسرائيلية؟؟!!.
إن الكابوس الذي يلاحق الصحافة هو الرقابة الذاتية، لأن وظيفة الصحافة أولا وأخيرا هي إخبار الجمهور بمعلومات دقيقة وذات مصداقية في شؤون تتعلق بحياته تجعله قادرا على اتخاذ قرارات صائبة سواء أكانت اجتماعية أو معيشية أو اقتصادية أو سياسية، إلا انه في ظل قانون الجرائم الالكترونية الذي يضع رجل مخابرات الكتروني في كل بيت وفي كل مؤسسة يقيد حرية التعبير ويعطل وظيفة الصحافة في خدمة الجمهور، وبدلا من الحديث بصوت إيجابي مرتفع يلجأ الصحفيون إلى الانكفاء على الذات وفرض رقابه على أنفسهم واعتماد منهج "التُقيه".