بعد عملية باب العامود يخرج علينا السؤال نفسه من أشخاص كثر لأسباب مختلفة منها البريء ومنها الجاهل .. وكالعادة لنرتب الفكرة على شكل نقاط ...
كلنا يحزن إذا علمنا أن هناك من اختار الموت لأنه وجد فيه طريقته الوحيدة في الحرية من هذا الواقع المميت، لا يهم العدد ولا يهم العمر ولا يهم المكان ... أن أسمع أن فلسطينياً قد مات أو استشهد وتمت تصفيته هذا خبر محزن ... ولكنني لا أشكك أبداً في نوايا هذا الشهيد .. أو أقول بجهله .. لأنه وكما يقال .. " لا يفتي قاعد لمجاهد ".
للناس الحزينة على أن 3 فتية قتلوا من أجل جرح مجندة أو قتلها هل هذا يستحق ؟ الجواب بطريقة أخرى .. أخبرني أنت كم تحدد سعر صرف الشهداء حتى ترضى ؟ هل المشكلة بعدد القتلى في الطرف الآخر ؟ أم أنك ضد الفكرة من الأساس ؟ أم أنك تعارض أي موقف وفقط ! يجب عليك أن تحزن ويحزنك فكرة موت فلسطيني واحد حتى لو كان مقابله 1000 إسرائيلي ... فالفكرة ليست صرف عملة ...
الحرية ثمنها غال جدا ... الثورة الفرنسية قتل فيها ما يقارب ال2 مليون فرنسي ... غير الذين هجروا وهربوا ... الثورة الجزائرية كلفت ما يقارب المليون ونصف شهيد ! فالأمر لا يتوقف على مئة أو ألف أو مئة ألف ... هذه حرية .. والحرية ثمنها دائماً مرتفع .... فلا تتخيل أن نتحرر ولا تسفك نقطة دم واحدة ... أو أنك لن تمرغ بدلتك بالتراب ... بعد تمريغ أنفك ووجهك ..
العمليات الفردية والمقاومة الشعبية ... والمواقف الصغيرة هي طبقات صغيرة رقيقة جداً ... تتراكب فوق بعضها البعض !! لتشكل كتلة كبيرة وثقيلة ... مثل الكتاب تماماً ... لو أخذت صفحة من كتاب ... ستقول ماذا ستفعل هذه الورقة الرقيقة ... وما هي القيمة التي ستحويها بداخلها .. ولكن عندما تتجمع الصفحات لتشكل كتاباً ربما يزن عشرات الكيلو غرامات فيه من المعارف ما ينقل البشرية إلى أبعد مما تتخيل .. فلا تسخف هذه الصفحات من كتاب عزتنا وكرامتنا ... فنحن نكتب الآن .. ولا نريد إزعاجك ..
البعض يقول هذا ليس وقت مثل هكذا عمليات ... أو مواقف .. وهؤلاء يجعلونني أضحك مع شعور قاتل بالحزن عليهم .. مساكين .. يظنون بأن للحرية وقت يضبطونه بساعات المنبه أو الهواتف الذكية وسيرن في الوقت المضبوط ليمارسوا ثورتهم ومقاومتهم ... أو أن يأتي المسحراتي ليوقظهم للحرية ... هذه سذاجة مضحكة ... لا وقت للحرية .. أو بالأحرى كل وقت هو للحرية .. والذي تزعجه هذه الفكرة تأكد تماماً سيموت وهو يقول بأن هذا ليس الوقت المناسب للحرية ...
دائماً هناك أضرار جانبية ... يضحكني البعض عندما يقول بأن هناك سيارة إسعاف أغلق عليها الطريق أثناء مواجهات مع الاحتلال .. أو أن رجلاً كان ينقل زوجته للمستشفى ولكنه وجد الطريق مغلقا بسبب أن الشباب قررت أن تغلق الطريق ... أو تلك الفتاة التي تقول لك ... بأنها تأخرت عن امتحانها بسبب الأحداث .
حقاً ... هذه هي مقارباتكم ؟ وهذه هي حججكم ؟ الشهداء تركوا لكم الدنيا والدوام والوظيفة والحواجز والمستشفيات .. وأنت تقول لي بأنك تأخرت على وظيفتك ؟ اذهب أنت والوظيفة للجحيم .. والذي يقول لي إن والده مات في سيارة الإسعاف لأن الطريق كان مغلقاً فأقول له .. اذهب أنت ووالدك للجحيم .. نحن الآن نتحرر !!
لا تسخف مواضيعك بمقارنتها بالموضوع الأكبر ألا وهو الثورة والتحرير .... فتخيل معي أن المستشفيات في هوريشميا وناغزاكي تعالج المصابين بالحروق والقتلى بسبب القنابل النووية وأنت تأتي وتقول لهم ... جرحت إصبعي وأنا أقطع السلطة لغدائي .. ولا يعبأ بك أحد فتصيح قائلا:- " أنتم قليلو حياء .. لا أحد يعبأ لي وأنا مريض " يا أخي أغرب عن وجه العالم مكانك ليس هنا . فأرجوكم لكل مقام مقال !.
التصاريح وما أدراك ما التصاريح من اسمها يظهر واضحاً أنه سماح لك بعمل شيء غير مسموح بالحالة العادية ... تصريح .. إذن ... فمن استطاع أن يستفيد من هذه التصاريح فليفعل ليذهب لزيارة الأقصى ... أو زيارة أقاربه ... أو التسوق ... أو الصلاة ... ولكن عليه أن يبقي في باله أن هذه حالة استثنائية وليست المستقر الطبيعي .. فلا يسخط إذا لم يسمح له اليهود بالتصاريح بسبب عملية ... " يا رجل ألا ترى أنهم يمنعوك بالأساس !! ألا تنظر للمشكلة الحقيقية !! .. أليس كل هذه التضحيات من أجل تزور البلاد دون تصريح!!!! مالك كيف تحكم !! "
لنتفق على شيء ... أن التحرير والثورة هي مساحة وحقل كبير جدا، تستطيع التحرك فيه كيفما شئت، فافعل ما تريد، ولكن على الأقل إذا لم ترد المشاركة فيها ولو بساعة من وقتك تتأخرها بسبب إغلاق الشوارع أو تفاقم مرضك بسبب عدم قدرتك على الوصول في الموعد المحدد، تذكر أن هناك من ضحى بحياته كلها على الأقل، كي تذهب للمستشفى والوظيفة دون حواجز أو عوائق.