شبكة قدس الإخبارية

دولة بوليسية تفضل المواقع الإباحية

دينا سعيد

في آب 2015، كشف موقع ألكسا الإلكتروني المتخصص في إحصائيات وترتيب مواقع الإنترنت، أن موقعين إباحيين كانا من بين أكثر من 100 موقعاً تصفحا في فلسطين. فور انتشار الإحصائية الجديدة من أليكسا والذي صدم المجتمع الفلسطيني، سارع الصحفيون الاتصال بوزارة الاتصالات الفلسطينية لطلب حجب تلك المواقع، فكان رد الوزارة :"هذه حرية تعبير ولا يحق لنا حجب تلك المواقع".

المستشار في وزارة الاتصالات الفلسطينية محمد العايدي قال في حديث لإحدى وسائل الإعلام المحلية وبالحرف الواحد، "أنه لا يوجد قرار بمنع أو وقف أي موقع مهما كانت طبيعته". نعم فهو محقاً في ذلك، فالقانون الأساسي الفلسطيني يُحرّم حظر أي وسلية إعلام وأكد على أن "حجب المواقع في ظل التقدم التكنولوجي غير فعال، فهناك برامج مخصصة لإعادة فتح المواقع المحجوبة، كما أن عملية منع بعض المواقع أدت إلى انتقال المشتركين من شبكات الإنترنت الفلسطيني إلى الشبكات الإسرائيلية، فتخسر شركة الاتصالات الفلسطينية جراء ذلك ملايين الدولارات".

مجموعة طلبة من جامعة النجاح رفضوا التسليم بالموضوع، وأخذوا على عاتقهم إطلاق حملة لمطالبة الشركات المزودة بالإنترنت حجب المواقع الإباحية، إلا أن الحملة تم مواجهتها بالرفض، وذلك من منطلق "الحرية والحق الشخصي".

سريعاً انتهى الموضوع دون أن يقلق المجتمع الذي يثق بشبابه، فالمجتمع الفلسطيني ليس كباقي المجتمعات الإنسانية الأخرى، فهو مجتمع محتل، أولويات شبابه المقاومة وتحرير الأرض.

قبل أن يمر عامين على الحادثة الأولى، ها هي النيابة العامة الفلسطينية تصدر قراراً في 15 حزيران ينص على حجب مواقع إلكترونية، تمهل عزيزي القارىء، فهي ليست ذات المواقع الإباحية المشار إليها سابقاً، وإنما مواقع إخبارية إعلامية وطنية.

وعلى الرغم من أن القانون الأساسي الفلسطيني يضمن حرية العمل الصحفي، ويجرم حظره أو منعه أو إيقافه، إلا أن النيابة العامة وبشكل مفاجىء قررت حجب 15 موقعاً إلكترونياً إخبارياً حتى الآن، فيما تواصل النيابة العامة ومؤسسات السلطة الفلسطينية رفض التعليق أو إصدار بيان رسمي، والكشف على محتوى القرار الصادر عن النيابة، سببه وأهدافه، ما يؤكد أن القرار لم يتخذ إلا كإجراء استباقي لحدث قريب الوقوع، والسلطة تسعى لضمان إسكات أي صوت معارض قد يقول كلمة "لا" ويرفع صوته محتجاً.

فما نتلقفه من الإعلام الإسرائيلي والأجنبي عن معلومات حول اتفاقيات سلام جديدة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، سيكون فيها الكثير من التنازلات عن الحق الفلسطيني، يرجح أن الرد الشعبي لن يكون إلا رداً رافضاً وغاضباً.

حجب المواقع الإخبارية المعارضة لنهج السلطة الفلسطينية، لا يمكن أن يتم قراءته إلا ضمن هذا السياق، وخاصة أن السلطة بدأت بتهيئة الوضع للدخول في مرحلة تسوية جديدة، معالمها الجلية هو الخدلان والاستسلام، كيف لا وقد أقدمت على قطع رواتب عدد من الأسرى المحررين وبعض النواب في المجلس التشريعي، فيما تؤكد مصادر مقربة من السلطة أن قطع الرواتب سيطال أيضا كافة الأسرى في سجون الاحتلال وعوائل الشهداء بناء على طلب من الاحتلال، إضافة إلى ذلك الممارسات الضاغطة على قطاع غزة، واللعب على وتر الكهرباء.

اللافت بكل ما ذكر، أن السلطة ومسؤوليها يرفضون التعليق والتواصل مع الإعلام الفلسطيني، وخاصة بقضية قطع رواتب الأسرى وحجب المواقع الإخبارية، لأنهم يعلمون جيداً أنهم مهما قالوا، فلن تكون لمبرراتهم أي معنى لدى المجتمع الفلسطيني، ولن تقابل إلا بمزيدٍ من الرفض والاستهزاء.

في ظل ذلك كله، لا يمكن التفاؤل بالقادم، لن نقول فقط على مستوى حرية التعبير والرأي الآخر، فنحن لا نتحدث عن مجرد قضية اجتماعية يمكن الاختلاف حولها، بل على المستوى الوطني في ظل المحاولات الحثيثة الساعية لقتل المقاومة وصوتها، وفرض المزيد من الخذلان والاستسلام.