شبكة قدس الإخبارية

ما قيمة بقائي حيا؟!

شروق صافي

رفاقي يسقطون الواحد تلو الآخر، ينفجرون، يتمزقون من هذا الصمت الخائن، وأمي تنتظر لتودعني بزغرودة الوداع الأخيرة، ليختلط جسدي بالهواء في ثلاجات العهر أو في التراب؛ بعد أن سئمت الانتظار وبعد أن أقع بطولي وكرامتي وجوعي على الأرض، لصالح من يصمت الجميع؟ ويسكتون على عذاباتنا المريرة؟.

إننا يا سادة مولعون بالوقوع...

الوقوع الذي نرفض من خلاله السماح للآخرين بالوقوف على أقدامهم ثانيةً والتمسّك بما يريدون، نترك الأشياء تقع على الأرض لتنكسر، فنراها قبل وخلال وبعد الانكسار، ونُرغم على تكميم أفواهنا، فيصبح صاحب الحق الذي يريد أن يقف على قدميه مرة أخرى عاجزا عن ذلك، عاجزا عن البناء، وعن البدء والابتداء؛ مغرقينه في التحطم والنهاية والانتهاء.

نعرف كم هو صعبٌ الانكسار، الخذلان، والنسيان، ومع ذلك ننكسر، نُخذل، ننسى ونخاف.

حتى الأكسجين الذي نتنفسه الآن، أكسجين زنزانة انعزالية معتمة ليس فيها إلا بطانية وبعض البق، لم نكن نعرف أننا مرغمون على التخلي عنه، والوقوع دونه في أفخاخ الكلمات والعبارات الرنانة التي يمرون بها على قضيتنا مرورَ العابرين، ولم نعرف أن علينا نسيان الشكل الحقيقي له، وأن نخاف استنشاقه من جديد.

علينا أن نفقد الأمل بشكل كليّ وجذري، لا أن نفقده كما يحدث لنا هنا، ينتزعونه منا بلا أدنى إحساس أو ضمير، كما أن علينا ألا ندافع بوحشيّةٍ عن وحشيّتهم، كأن نموت نحن ويحيوا هم.

أتعرفون ما هي قيمتي الآن؟! والجوع يسحقني لليوم الثاني والثلاثين، قيمتي ليست بشيءٍ يُعد ولا أنا قابل للعدّ؛ إن لم يستمر أحد بعدي، فلا قيمة لجوعي، لا قيمة لبقائي، كما لا قيمة لبقائي حيًا!.

فصوت الانهزام القادم من الخارج مثير للسخرية، بعد أن كنا نَضرُب الأمثال؛ صِرنا مثلا!!

يتركوننا في هذا الرحم المسخ، لكي لا نولد من جديد، يريدوننا أن نختنق في هذا الرحم، وتموت القضية.

لا أحد يعرف كيف تجري الحسابات هنا؟ لماذا نقرع الخزان ولا يسمعنا أحد؟! لماذا تغلقون آذانكم ؟!