يشكل إضراب الكرامة الذي يخوضه أكثر من 1600 أسير فلسطيني وعربي في سجون الاستعمار الإسرائيلي أحد أكثر أشكال المقاومة بطولة وخطورة وأعمقها أثرًا وتعليمًا لكل الشعب ما لم يقف الوعي الزائف المستعمَر عائقا أمام هذه العملية المهمة لتكامل أشكال المقاومة وزيادة وتيرتها ضد نظام الاستعمار الاستيطاني والاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي.
مساندة الأسرى فلسطينيًا وعربيًا والتضامن معهم عالميًا مهم لإنجاح إضراب الكرامة وتسليط الضوء على جرائم "إسرائيل" باعتقالهم وتعذيبهم وحرمانهم حتى من الحقوق التي يكفلها القانون الدولي للأسرى، ومن أهم وسائل مساندة إضراب الكرامة ومحاصرة السجان الإسرائيلي؛ حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) الفلسطينية القيادة، العالمية الامتداد.
إضراب الأسرى عن الطعام هو الحالة النضالية التي نتعلم منها الكثير ونتلقى التوجيه في مساندتها من الأسرى أنفسهم في مرحلة تعيد قيادة النضال لمن يستحقها أي من يشتبكون بعزيمتهم وصمودهم مع قوى الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي في أقبية السجون، ومن الدروس التي لا بد من الوقوف عندها طويلا؛ الامتناع عن الطعام وأشكال الحياة لانتزاع الكرامة والحرية، فهو تجسيد عملي وصعب لمبدأ أن الكرامة والحرية أغلى من الطعام.
ربما يكون الدرس الذي نتعلمه نحن، الذين نقبع خارج السجن الصغير، من الأسرى والأسيرات البواسل والباسلات، هو المقاطعة الشاملة لنظام الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد (التمييز العنصري) والاحتلال الإسرائيلي.
حيث أن الإضراب عن الطعام يقوم على مبادئ الانتماء، والإصرار، والانضباط؛ أي الانتماء للوطن والنضال والإصرار على عدم تمكين السجان من كسر إرادة الأسرى المضربين والانضباط من خلال مقاومة الجوع وآلامه لتحقيق شروط حياة أفضل لكل الأسرى.
من هنا يمكن التعلم من تجربة الإضراب من خلال الانتماء لفلسطين والتمسك بالحقوق الوطنية الثابتة، والإصرار على مقاطعة "إسرائيل" أكاديميا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا وعزلها، والانضباط والالتزام بمعايير المقاطعة ورفض التطبيع والتي تقر بناء على حوارات مجتمعية مناسبة لكل سياق.
بالطبع لا يمكن المساواة بين بطولة وعظمة الإضراب عن مقومات الحياة في داخل زنازين الاستعمار الإسرائيلي وبين قيامنا نحن الذين نتمتع بحرية نسبية في الحياة ومقوماتها بالامتناع عن شراء منتجات وخدمات تقدمها الشركات الإسرائيلية والدولية المتورطة في الجرائم مثل (HP) مع استبدالها بمنتجات وخدمات وطنية/ عربية/ أجنبية، في هذه الحالة نحن لا نتكبد عناء ولا نخاطر بحياتنا. لكننا نكبد منظومة الاستعمار الإسرائيلي ومن يدعمها خسائر فادحة على المدى الطويل وندعم بشكل فعال إضراب الكرامة والسعي نحو تحرير الأسرى وكل الشعب الفلسطيني.
وهذا ما تثبته يوميًا حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) التي تقودها اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة. التي باتت تشكل تحديًا لنظام "إسرائيل" الاستعماري مما دفع بالأخير إلى شن حرب مضادة عليها.
بالإضافة إلى أن قيادة الحركة الأسيرة تعتبر حركة مقاطعة إسرائيل "الحامل الرئيسي لصوت المضطهَدين على أرض فلسطين" لذا توجهت قبل عامين إلى اللجنة الوطنية باقتراحات عملية لدعم الأسرى أكثر. منها زيادة حملات المقاطعة ضد الشركات الدولية المتورطة في السجون الإسرائيلية وأهمها شركة الأمن العالمية "G4S" وشركة الكمبيوتر والإلكترونيات العالمية "HP" وشركة وسائل النقل "فولو".
في نهاية العام 2016 اضطرت شركة "G4S" إلى بيع معظم أعمالها مع الاحتلال الإسرائيلي بسبب حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات، مع الاستمرار بتورطها في كلية تدريب للشرطة الإسرائيلية وفي المستعمرات، مما يعني استمرار الحملة ضدها حتى تنسحب بالكامل.
آخر النجاحات ضدها حصلت بالتزامن مع إضراب الكرامة والتي أهدتها اللجنة الوطنية للأسرى؛ إنهاء فندق "كراون بلازا" في لبنان تعاقده مع الشركة، وقرار بلدية "مولنبيك سان جون" البلجيكية بمقاطعة الشركات المتورطة في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين ومنها "G4S".
كما أن آخر نجاحات المقاطعة على صعيد الحملة ضد شركة (HP) كان قبل أيام حيث أعلن الاتحاد الوطني للمعلمين في المملكة المتحدة مقراته خالية من أجهزتها ودعا الجميع لمقاطعتها، استجابة لنداء المقاطعة بسبب تورط الشركة في تعزيز منظومة الاستعمار والقمع الصهيوني. كما نشرت عريضة ضد الشركة وقعها أكثر من 21 ألف مستهلك تسببت بضرر لسمعتها حتى الآن.
واعتذار شركة بيتزا هت العالمية بعد الموجة الفورية من المقاطعة والغضب خاصة في فلسطين والعالم العربي لسخريتها من قادة إضراب الكرامة، يدلل على نجاعة الضغط الشعبي. والذي وضع هدفًا أبعد لمقاطعة الشركة، أن تغلق فروعها في المستعمرات اليهودية المقامة على أراضي الضفة وتنهي مساهمتها في الاحتلال الإسرائيلي.
مع التفاعل الشعبي الواسع مع إضراب الكرامة، ودعوة الأسرى لنا لتصعيد المقاطعة، يجدر بنا كمؤسسات وقوى وأفراد، توسيع قاعدة الالتزام المسبق بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والشركات الدولية المستفيدة من الاحتلال، ومنها شركة (HP)، في هذه الأيام الحاسمة من معركة الكرامة، من المهم أن تتخذ المؤسسات والشركات الفلسطينية والعربية – التي لم تفعل من قبل- على الأقل قرارًا ثابتا باستبعاد شركة "HP" من مشترياتها حتى تنهي الشركة تورطها في منظومة الاستعمار الإسرائيلي.
علينا واجب وطني تجاه الأسرى والأسيرات للقيام بخطوات إسنادية مؤثرة تتخطى الرمزية، وهم من خلف القضبان ورغم الظلام والجوع المقاوم أخبرونا ما علينا فعله، مما طالبوا به في بيان اليوم العشرين وقف التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، وهذا مطلب ترفعه حركة المقاطعة دائما بالإضافة لحل لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، التزاما بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني لمنظمة التحرير. ولما يشكله التنسيق الأمني والتطبيع بكل مستوياته من خطر حقيقي على الشعب ونضاله العادل حتى الحرية والعدالة والعودة.
ذلك لا يعني أن حركة المقاطعة لوحدها كافية لإنهاء نظام الاستعمار والأبارتهايد، بل هي أسلوب فعال للمقاومة الشعبية وأكثر أساليب التضامن الدولي فعالية كونها تتمسك بحق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وتنفذ حملات إستراتيجية متواصلة تراعي حساسية السياقات المختلفة محليًا ودوليًا. وتبقى حاجتنا قائمة لاستراتيجية مقاومة شاملة تشكل المقاطعة أحد أعمدتها. اليوم، تصعيد الدعم والمساندة لإضراب الكرامة بشتى الوسائل قد يفضي إلى بلورة ملامح إستراتجية مقاومة وطنية. لنقاوم الاستعمار ونرفض التطبيع.