شبكة قدس الإخبارية

البعبع!!

قتيبة قاسم
على قدم وساق تجري الاستعدادات الأسرية لاستقبال الموسم الجديد بزائره ثقيل الدم، استعدادات ليست وليدة فترة الامتحانات بل ومنذ بداية العام تستعد الجبهة الداخلية المنزلية وبعد سلسلة اجتماعات للمطبخ المصغّر لدراسة خوض غمار هذه المعركة وسبل الخروج منتصرين في حفظ  "شرف" العائلة وصون بطولاتها وحماية الإرث المنزلي الثقافي من الانهيار، لتبدأ ملحمة التوجيهي إن صحّ لنا تسميتها بذلك. تُعلن ومنذ اللحظة الأولى لوصول الابن (المسكين) إلى مقاعد التوجيهي حالة الاستنفار القصوى وتُرفع درجة التأهب إلى ما فوق الأحمر إيذاناً بانطلاق موسم الحصاد كما يحلو للبعض تسميته، مسميات ومِن قبلها أفكار تُنبأ وبكل أسف عن فهم قاصرٍ وإرث مجتمعي كارثي، لا يعدو فوق اعتباره (هوساً) في غير محله والخاسر الأكبر من كل تلك الملحمة المضطربة هو الطالب !!. ففي وضع لا يُحسد عليه يبدأ الطالب عامه الثاني عشر على مقاعد الدراسة مهووساً بنظرة المجتمع والأهل وتوصياتهم ووصايتهم حتى على اختياراته وقدراته ورغباته وصولاً إلى تفكيره، تبدأ (الملحمة) ما قبل التوجيهي إذ باتت تشكّل تلك المرحلة لأبنائنا الطلبة عُقداً نفسية واضطرابات تُنهك تفكيرهم وتأخذ منهم مأخذاً إذ يوضع في حسبانهم حسابات لا ناقة لهم فيها ولا جمل أو لنقل أنها لا تعنيهم كثيراً فهذا الطالب الناجح عاماً تلو الآخر إذ به يًصاب بالفشل ويشعر بالخوف والعجز عند بوابة التوجيهي بسبب تلك الحالة التي يضعها فيه ذلك المجتمع الذي لا ينفكّ يزرع أجواء الترهيب والتخويف واللوم والعتاب والقسوة. إن أول ما يجب تحطيمه من تلك الملحمة الكبرى المنتظرة كل عام والقضاء عليها هي نظرة المجتمع للتوجيهي على اعتباره عاماً مختلفاً ومفصلياً يمسّ العائلة كلها ويمسّ كرامتها !! بَيدَ أنه لا يختلف على الإطلاق عن سابقه، وكسر تلك الحواجز التي يراها الطالب عائقاً أمام رغباته إذ هو مطلق الحرية في وقت دراسته وأسلوبه وفهمه وتجلياته أمام الدراسة بدلاً من الحَجْر عليها وتشديد الخناق منذ اليوم الأول وصولاً إلى الامتحان الأخير، فالأمر جدّ مرهق وبلغ من التعقيد والبلاهة بمكان ما بلغ ، إذ هو الطالب لا يملك صلاحية النوم أو اللهو أو مطلق الحرية فإن نام صاحت في وجهه العائلة: أتنام وأنت توجيهي؟!! وإذا ما رأوه في الشارع أو في مكان عام رمقته نظراتهم ولسان حالهم مستنكرين عليه فعلته الشنيعة: ماذا دهاك، أين كتابك، لماذا لا تدرس، ألست توجيهي ؟؟!!! فيُحرم المسكين من النوم ويكأنه إذا ما خَلَدَ للنوم بات مضطرباً قلقاً بانتظار يدٍ غليظة أو صوت قادم من بعيد يوقظه بعنف مذكّراً إياه بالملحمة الكبرى القادمة إذ لا وقت للنوم أو للراحة والمعركة يحمى وطيسها شيئاً فشيئاً وكلما اقتربنا من الامتحانات زاد لظاها، بل وأصبح طالب التوجيهي كل عام مادةً دسمةً للساخرين، إذ تتفاقم مأساتهم فوق تلك المعاناة التي يعانونها إزاء نظرة المجتمع القاصرة لهذا العام الدراسي، فيخبرك أحدهم – ساخراً -  بامتلاء المساجد عند الصلوات على غير عادة، إذ يلتفت الإمام نحو المصلين قائلاً: منورين شباب التوجيهي !! كما ويظل التوجيهي تلك ( الشمّاعة ) التي يتقن استدعاءها واستحضارها الباحثون عن الأعذار عند كثير من المواقف والمناسبات والحجة الجاهزة إزاء أي موقف، فقريباً سندخل كلنا - سواء أكان في منازلنا طلاباً أم لم يكن - تلك الحالة قريباً من مرحلة الخطر، فالامتحانات قريبة وأقرب منها نتائجها وتبعات تلك النتائج التي أوصلت الكثيرين من الطلبة بالتفكير بوسائل أخرى عديدة وخطيرة وغير مقبولة للهروب من التوجيهي وهيمنته وأيّاً كان الثمن أو النتيجة !! وهنا قد بات من المؤسف أن يظل التوجيهي بذات النظرة في عيون المجتمع ولا بد من نظرة منطقية عقلانية إلى مستقبل الأبناء الطلبة، وبدلاً من حالة الرعب التي يسببها هذا الموسم في كل عام لعشرات آلاف الطلبة فالمعارك التي أمامنا أكثر أهمية وضراوةً تتطلب منا الجهد الأكبر، فتطوير المناهج وتطوير وسائل التعليم والأدوات والأساليب وحتى الخروج من التعليم التقليدي الباهت إلى تعليمٍ أكثر مهنية وتفاعليةً، أشد ضرورةً من حشد الناس والطلاب نحو معركة التوجيهي السنوية.. ولا بد بأن الباحث والعامل في الحقل التعليمي الحريص على مصلحة الطلبة لن يعدم وسيلة بديلة تقيس بها وزارتنا إدراك الطالب وفهمه وتقييمه بعيداً عن ذلك الرعب البعبع بطريقته الخرفة المسماة "التوجيهي"، مع الشكر لكل جهد بُذل في هذا الصدد ودعمه بكل قوة.