غزة - خاص قدس الإخبارية: لم يكن اللاجئ الإيراني الذي قدم إلى قطاع غزة برفقة الرئيس الراحل ياسر عرفات ومنظمة التحرير عام 1994م، يرغب في العيش بعيداً عن فلسطين والفلسطينيين التي ناضل من أجلها طوال سنين الثورة الفلسطينية.
يعيش قاسم شياصي (80 عاماً) في قطاع غزة منذ (23 عاماً)، بعد سنين نضاله من أجل فلسطين، وتزوج ثلاث سيدات من مدينة خانيونس، غير أنه وبعد رحيل الرئيس ياسر عرفات، نفته الظروف الصعبة ويتعرض لتهميش من قبل المسؤولين الفلسطينيين والذين عاشر بعضهم في لبنان واليمن إبان الثورة الفلسطينية.
شاهد على الثورة
بدأ شياصي بسرد قصته لـ"قدس الإخبارية" قائلا: "أحب الشعب الفلسطيني ومن أجله تبرعت أن أكون بجيش فلسطين من لبنان مع الرئيس أبو عمار وانتقلت معه الى اليمن واستمرت حياتنا هناك 12 عاماً، أحببت مرافقته كثيراً فلم أكن أعلم أن نهاية حياتي سوف تكون عند دخولي غزة في عام 1994م، كان وضعي المادي جيد جداً لم أكن أحتاج أحداً بل تزوجت واحدة والثانية والثالثة أيضاً، ولكن مع رحيل أبو عمار تغير كل شيء، أصبحت متسولاً بدلاً من موظف عسكري، لم يعترف أحد بي كوني إيراني وليس فلسطيني الأصل".
على الرغم من السنوات الطويلة التي عاشها هذا الرجل في قطاع غزة الا أنه يحتفظ باللهجة الايرانية التي لا يفهمها الكثيرين باستثناء أبنائه وزوجته، أي أنه يحتاج لمن يفسر مايقوله لضيوفه .
ويتخذ شياصي ركناً من منزله مكاناً دائماً له وعلامات الألم تبدو على وجهه، وبين الحين والآخر ينتفض من مكانه ويقول: "أريد أن أعود إلى بلدي لديّ أبناء وزوجة هناك وأنا مريض جداً".
حرم من منزله لأنه إيراني
أرهقه الحديث واتخذ لنفسه زاوية يجلس بها ويراقب حديث زوجته مع "قدس الاخبارية" فلم يهدأ غضبه بعد، في كل لحظة يعلق على كل كلمة تقولها زوجته لكي يؤكدها أو يوضحها أكثر، نعمة شياصي (50عاماً) الزوجة الثانية، تتحدث عن وجع زوجها قائلة: "منذ (23 عاماً) وهو في غزة تزوج المرة الأولى من خيرية شياصي لديها منه ابنة واحدة وهي مصابة بمرض السرطان، وبعد 18 عاماً تزوجني ولدي ولد واحد، ومن ثم تزوج الثالثة ولديها ولدان، كنا نسكن في بيت ببلدة القرارة بمدينة خان يونس، ولكن بعد قصفه من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب 2008 على غزة لم نحصل على تعويض بدلاً عنه لأن زوجي ايراني وليس فلسطيني، ومن ثم جئنا لهذه المنطقة بالإيجار".
وتضيف، "هذه منطقة سيئة للغاية فهي مكب للنفايات والبيوت فيها متهتكة مكونة من الزينكو، كأننا نعيش في الصحراء بدون سقف ونفترش الرمل، عوضا عن البيئة الملوثة التي نعيش بها حيث لم يكن هنا مكب نفايات بل بلدية خان يونس أقرت انه مكب للنفايات منذ تسعة أعوام دون النظر إلى السكان الذين يعيشون في المنطقة".
خيرية شياصي "60عاما" أصيبت بأمراض من الحالة النفسية السيئة التي تشعر بها لوضعها السيء والبيئة الملوثة التي تسكن بها تقول: "لا نمتلك أي دخل لكي نعيش منه بل يتصدق علينا أهل الخير بالقليل ومنه نقضي يومنا، عندما أصبت بمرض السرطان في الثدي لم أجد المال لشراء الدواء بل أصبحت أعاني بشكل مستمر ولا أحد نظر إلي بعين الرحمة، وزوجي دائما يبكي على حاله ويناشد أن نسافر إلى إيران لكي يوفر لنا حياة كريمة".
تجريده من راتبه
بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات خسر راتبه الذي كان يتقاضاه بمبلغ "2700 شيقل/ 600 دولار" شهريا بحجة أنه ليس فلسطينيا ولا يحمل أي ورقة تثبت ذلك لذا جرد من راتبه، كان يدبر أمره بهذا المبلغ حيث عدّد لـ"قدس الاخبارية" التزاماته اليومية قائلا" "راتبي لم يكن يتبقى منه شيئا غير أنه كان يكفيني ولا أحتاج لأي أحد، أدفع منه إيجار المنزل ومستلزماته، واليوم يوجد في بيتي 10 أفراد حرموا من كل شيء بعد قطع الراتب".
هذا الأمر أودى به إلى الانفجار، فلم يعد يتحمل الفقر والمعاناة، ولم يتوقف عن الصراخ طيلة حديثه معنا، فهو بحالة سيئة أشبه بمن فقد روحه أمام عينه لم يستطيع الصبر الا أن طلب صورته مع الرئيس ياسر عرفات قائلاً: "أريد أن أذهب إلى قبر الرئيس وأخبره ما حدث معي، فأنا أموت ولا أحد يشعر بي".
عائلته في إيران
شياصي، ترك زوجته وأولاده في إيران من أجل الثورة الفلسطينية وفلسطين، وعندما جاء إلى غزة في بداية السنوات كان على تواصل معهم وبعد ذلك حدث ما لم يكن يتوقعه، ويقول: "كنت أتواصل معهم يومياً قبل 20 عاما وأعطيهم وعداً بزيارتهم، ولكني منعت لأني إيراني وليس فلسطيني، انتظرت قليلاً الى حين حل المشاكل، ولكن للأسف جاء الموعد متأخرا فبعد أن ساء وضعي انقطع الاتصال بيني وبينهم، فهم لا يعلمون عني أي شيء ولا يعرفون أنني على قيد الحياة بل يعتقدون أنني توفيت، ولا أعلم ان كانوا يبحثون عني أم نسوا أمري".
ويضيف، "الآن أنا أطالب بالرجوع الى بلدي بعد أن غزا جسمي كل الأمراض الكلى والبروستاتا والغضروف وغيرها، أريد أن أتعالج في بلدي أو أموت هناك يكفيني فقر وهم، أي شخص يستجيب طلبي لعباس، هنية أي أحد أرجعوني إلى بلدي".