شكل مسلسل الدم والإقتتال الفلسطيني جرحًا غائرًا في قلب المخيمات، فمعركة مخيم عين الحلوة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ما دامت مقومات الحرب قائمة وتتحكم بها جهات وأجهزة من داخل المخيم وخارجه، فمن يتتبع تاريخ المعارك الداخلية في المخيمات، يجد أنه قد سبقها حصار طرابلس بين قوات حركة فتح من جهة والقوات المنشقة عن فتح بقيادة العقيد سعيد مراغة أبو موسى والجبهة الشعبية القيادة العامة والصاعقة والجيش السوري من جهة أخرى، ولحقها أيضا حرب داخلية في مخيمات بيروت عام 1987 بين فتح والتنظيمات الفلسطينية الموالية للنظام السوري.
وفي نهاية الثمانينات حصل اشتباك كبير وقصف بالمدفعية بين حركة فتح والضابط جمال سليمان الذي انشق ليقف إلى جانب حزب الله وقام بتشكيل تنظيم مدعوم من حزب الله والمخابرات السورية يدعى حركة أنصار الله.
وفي مطلع التسعينيات أيضا حصلت معركة كبيرة في مخيم عين الحلوة والرشيدية بين قوات حركة فتح وقوات فتح المجلس الثوري التابعة لصبري البنا والتي كانت خلال تلك الفترة مدعومة من النظام السوري.
ومنذ أواسط التسعينيات بدأت الحرب الجديدة بين حركة فتح وبين التنظيمات الإسلامية فبدأت مع الشيخ هشام الشريدة مؤسس عصبة الأنصار والعقيد في حركة فتح وابن بلدته الصفصاف أمين كايد وبعدها امتدت الحرب بين فتح وبين عصبة الأنصار لفترة طويلة إلى أن حصلت المصالحة والتفاهم والذي كان محورها أبو طارق السعدي عن عصبة الأنصار والشيخ جمال خطاب عن الحركة الإسلامية المجاهدة ومنير المقدح عن حركة فتح، واستمر هذا التفاهم إلى يومنا إلا أنه قد نشأ عن عصبة النصار مجموعات متشددة مثل عصبة النور بقيادة نجل الشيخ هشام الشريدة الذي أراد الانتقام لوالده وبعدها نشأت جند الشام وفتح الاسلام وقد وقعت بينهم وبين فتح معارك كبيرة عندما كان الضابط في حركة فتح محمود عبد الحميد عيسى الملقب باللينو قائدا للكفاح المسلح في مخيم عين الحلوة والمدعوم اليوم من محمد دحلان.
بقي الحال هكذا يتحول الصراع بين المجموعات الاسلامية وبين قيادات في فتح فمن الممكن أن تكون العلاقة سيئة مع اللينو وجيدة مع المقدح، إلى أن خرج إلى الساحة بلال بدر والذي تعود خلفياته إلى جبهة التحرير الفلسطينية وعلى أثر خلاف بينه وبين حركة فتح تحول إلى أمير مجموعة اسلامية وبدأت الثارات تنهمر بين بلال بدر وبين فتح واستطاع بلال بدر أن يتحصن في حي الطيرة وأن يحافظ على أمنه الشخصي بشكل كبير حيث لا يخرج من بيته إلا للضرورة ومن جهة أخرى تلقى بلال بدر دعم عسكري ومالي كبير من كافة القوى الفلسطينية ليكون أداة لهم فعلى سبيل المثال تستخدمه فتح في الخلافات الشخصية بين قياداتها ومن جهة أخرى بعض القوى الاسلامية تستخدمه ليكون عصاتهم التي يضربون بها فتح أو يهددوا فتح بها.
كما وأن لحركة أنصار الله دور كبير في دعم بلال بدر في الآونة الأخيرة والغريب في الموضوع ما الذي لم الشامي على المغربي فبلال يعتبر نفسه اسلامي سلفي متشدد وحركة انصار تنظيم اسلامي يتلقى دعمه من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله ويقال أن له عناصر تقاتل في سوريا، فهل لسوريا والحزب مصلحة في تدمير مخيم عين الحلوة؟ وخاصة أن موقعه الجغرافي يقطع طريق الجنوب كما وأنه الكتلة الاسلامية السنية العسكرية الوحيدة في لبنان.
تحليل واقع المعركة في مخيم عين الحلوة:
استمرت المعركة لمدة 4 أيام بهدف انهاء حالة بلال بدر والسيطرة على كافة أحياء المخيم ونشر القوة الأمنية المشتركة فيها، إلا أن هذه المعارك التي أسفرت عن عدد كبير من القتلى والجرحى والدمار لأجزاء كبيرة من حي الطيرة دفع ثمنه الضحايا المدنين سواء بالأرواح أو في دمار بيتوهم وحرقها وقطع أرزاقهم، لم تتقدم حركة فتح في هذه المعركة ولم ينجم ضربهم الكثيف للقذائف الصاروخية عن شيء، وعدم تقدمهم مبرر لأن أي تقدم واقتحام يعني خسائر كبيرة في صفوفهم حيث بلال متحصن وهو كاشف للمنطقة، كما وأن الدخول إلى حي الطيرة يتطلب المرور عبر حواجز لكافة القوى الاسلامية والتي إذا احسنا الظن سنقول أن قيادتهم لم تستطيع ضبط عناصرهم فتم دعم مجموعة بلال من قبل هذه العناصر.
غياب الرؤية السياسية والعسكرية والتنظيمية عند فتح أوقعتهم بفخ الحسم فعلى وسائل الاعلام تخرج كل القوى وتقول انها مشاركة في الحسم وعلى أرض الواقع المشارك فقط فتح.
وبعد المعركة نخلص بنتيجة أن على فتح لا ينجروا لأخذ عزتهم بالإثم فانسحابها من المعركة الآن ليس بهزيمة في المقاييس العسكرية والأمنية لأن الجغرافية والديمغرافية غير مناسبة إلا إذا تم تدمير الحي كامل وهذا له تبعات كبيرة.
فعلى فتح أن تراجع حساباتها جيدا بعد هذه المعركة إلى أين وصلوا؟ وأن الدورات التي يتلقونها هي دورات شرطة وليست دورات عسكرية، هذا على المستوى الأمني والعسكري.
أما على المستوى السياسي فيجب أن تراجع فتح نفسها جيدا في إيجاد عناصر وقيادات مثقفة وواعية وقادرة على التحليل السياسي وتقدير المواقف فالذي يقود حركة فتح اليوم في مخيم عين الحلوة خصوصا ومخيمات لبنان كافة شخصيات عسكرية من مخلفات حرب المخيمات وحرب الفزعات وليس حرب 1982 التي كانت تعج بقامات عسكرية وسياسية محنكة مثل خالد الحسن وسعد صايل وأبو اياد، والقيادات المتعلمة والمثقفة في هذه الفترة هي شخصيات في أكثرها عمل معلم انروا مع احترامي لكل المعلمين ولكن الساحة السياسية ليست بساحتهم، كما عليها أن تعي تماما أنها ليست الوحيدة بالميدان وأنها في ساحة لا يوجد بها كبير فالكل كبير وكما يقول المثل الشعبي " الحجر إلي ما بعجبك بفجك".
كما ويجب أن تراجع فتح علاقتها بشعبها وما هي اسباب انفضاض الالتفاف الجماهيري حولهم، وأن يعوا جيدا أن ساحة لبنان والشتات مختلفة تماما عن رام الله فالسيسات التي تتبعها قيادة رام الله لا تلائم ولا تناسب الشتات فهم يعتبرون هذه القيادة هي قيادة باعتهم ومنحرفة عن النهج الوطني السليم.
وبالنهاية على فتح والقوة المشتركة الوعي بأن القضاء على حالة مثل حالة بلال بدر وأي حالة ارهابية أو شلليلة قد تؤدي إلى اختلال الأمن في المخيم يتطلب عملية أمنية مدروسة ومحكمة لا عملية عسكرية وذلك لتجنب الخسائر المادية والبشرية التي سيكون الخاسر الأكبر فيها هو الشعب، فعلى سبيل المثال قد نجحت مخابرات الجيش اللبناني من خلال عملية أمنية مدروسة اعتقال عماد ياسين من مخيم عين الحلوة دون قطرة دم واحدة، علما أن عماد ياسين متهم باربتاطه بتنظيم داعش.