للمرة الألف أستسلم لقناعة مفادها أن المتابع للشأن الفلسطيني هو الأكثر عرضة للإحباط والإصابة بأزمة نفسية، فعند التفكير في قضيتنا ومستقبلها بحسابات الربح والخسارة على كل النواحي، وسط المهازل التي نحياهاـ يراودني سؤال لا إجابة له عندي، ما هو الشيء الأكثر سوءاً والذي لم يحدث بعد لشعبنا الفلسطيني؟
فلسطين التاريخية ضاعت. شعبنا نصفه في الشتات. القدس تم تهويدها. حلم الدولة الفلسطينية الـ67 لم يعد موجودا. سرطان الإستيطاني إلتهم أكثر من نصف أراضي الضفة المحتلة. غزة تحاصر داخلياً قبل خارجياًـ ناهيك عن إنقسام وصل لدرجة الإنفصال السياسي والوظيفي بين غزة والضفة وإنقسام إجتماعي في كل منهما. تنسيق أمني لم يسبق له مثيل في الضفة المحتلة، دوريات الإحتلال تتجول هناك بلا أي مواجهة تذكر وكأنها في حي من أحياء تل أبيب. تنسيق أمني غير مباشر وإتفاق بين حماس وإسرائيل بعد حرب غزة الأخيرة 2012 برعاية مصر "الإخوانية" على آنقاض إنتصار وصمود أهالي غزة. إتفاق وصف المقاومة ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بـ"الأعمال العدائية"، بموازاة تحول المقاومة لأعمال دفاعية فقط. طبقة أغنياء جديدة تحيا خارج الواقع في غزة من أمراء الأنفاق. ملاحقات سياسية في الضفة وغزة للنشطاء وأعضاء الفصيل المعارض في كل منهما.
حملات تخوين وتشوية متبادلة بين فتح وحماس فاقت كل الحدود. مجلس تشريعي يعمل في المناسبات فقط. فصائل "الكسور العشرية" التابعة لفتح وحماس والتي لا تسمع إسمها أو صوتها إلا وقت اشتداد المعارك الكلامية بين طرفي الأزمة الفلسطينية، وتنحصر مهمتها في مهاجمة الفصيل النقيض. رئيس ومجلس تشريعي بولاية منتهية باتوا أمراً واقعاً. محاولات حماس ومن خلفها قوى إقليمية نحو فرض إزدواجية التمثيل الفلسطيني. مماطلة فلسطينية رسمية وتأجيل دائم للحصول على عضوية المؤسسات الدولية "بعد الإعتراف الأممي بفلسطين " وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية لملاحقة إسرائيل قضائياً. سعي دائم "لحمسنة "قطاع غزة" و"أمركة" الضفة الغربية. حصر القضية الفلسطينية في حدود "الضفة وغزة".
إسقاط اللاجئين وفلسطيني الداخل 48 من الحسابات السياسية. إهمال وغض النظر عن القدس وأهلها وما يجري بها ولهم. لاجيئنا يذبحون في سوريا، ووضعهم مزري في لبنان مع محاولات الدمج والتوطين لهم في الأردن. أضف لذلك مبعدي كنيسة المهد ومعاناتهم اليومية وضياع حلم عودتهم "وفق الإتفاق مع الدولة العبرية". عشرات الآلاف من الخريجين العاطلين عن العمل في غزة. مع أزمة الكهرباء المتفاقمة. إرتفاع نسبة الإصابة "بالسرطان" بين أهالي قطاع غزة بسبب الرائحة المنبعثة من إستخدامهم المكثف لمولدات الكهرباء. فقدان الثقافة الوطنية فمثلاً نرى مئات الألاف في مهرجانات إنطلاقة الفصائل في مقابل عشرات الأفراد في الفعاليات الوطنية الخالصة، والتضامن مع الأسرى خير مثال. جولات مكوكية لقيادات الفصائل ما بين الشرق والغرب بلا أي هدف أو نتيجة، وطبعاً إقامتهم في أفخم الفنادق وأغلاها من "قوت الغلابة". إستقرانا في نقطة اللاعودة في مسار أوسلو فلا نحن قادرين على إلغاء أوسلو ولا هناك مجال أصلاً لإستكمال ذلك المسار.
المتابع للشأن الفلسطيني في السنوات الأخيرة لا يرى سوى صراعاً فلسطينياً داخلياً على سلطة لا وجود لها أصلاً. سلطتين بعشرات الأجهزة الأمنية بأسماء مخيفة بعشرات ألاف المنتسبين لها.
قديماً كنا نتحدث عن معركتنا مع الإحتلال وكانت الحيرة تمتلكنا جميعاً عن كيفية الوصول لفلسطين، أما اليوم فلا حديث لنا سوى عن معركتنا مع الإنقسام وسبل التخلص منه، ويبدو لي أن معركتنا لإنهاء الإحتلال أسهل بمرات كثيرة من معركة إنهاء الإنقسام.
سيدي القارئ، بعد كل ما سبق وغيره الكثير الكثير، هل ترى هناك أي أمل ؟ سيدي القارئ أجبني أرجوك، إلي أين وصلت فلسطين؟