شبكة قدس الإخبارية

لستَ أنت .. من نكون على مواقع التواصل؟

إسراء صلاح

لقد وصلنا في هذا العصر إلى سعينا اللامتناهي لنيل إعجاب الآخرين، حيث أننا نلهث خلف ما يرضي الناس متناسيين تماماً طبيعة التصرفات التي خلقنا بها ونحاول التغيير للناس، بدليل أن الكتب ومقاطع الفيديو القصيرة التي عناوينها "كيف تكون ملائماً للحياة؟ كيف تصبح نجماً اجتماعياً؟ كيف تخفي عيوبك عن الناس؟" تلفت انتباهنا إلى حدٍ كبير إن لاحظت، وبلا شك أنها كلمات مؤثرة ومقنعة، لكن الأمر السلبي أننا بعد التطبيق قد نفقد عفويتنا ونصبح الشخص الهش بشكل مرعب.

 والمشكلة الأكبر في حياتنا أننا صرنا نربط حياتنا بالعالم الإلكتروني تحت مسمى مواقع التقاطع الاجتماعي إن صح التعبير، لأننا في التواصل الاجتماعي الفعلي مفككون ومشغولون بالنشر والتغريد لحصد العدد الأكبر من الاعجاب والتعليقات والمشاركات.

منذ فترة التقيت بصديقة قديمة وقد تغيَّرت كثيرًا لدرجة أنني كدت لا أعرفها بعد التحية، لقد طلبت مني أن نأخذ صورة سلفي للسناب وكانت من أشد الكارهيين لهذه العادة حتى ابتسامتها الدائمة لم أرها إلا في الصورة، وأيضاً غردت على تويتر أنها مستمتعة بوقتها بالرغم أننا لم نكن نستمتع بقدر ما تساءلنا عن ماضينا والذي حلّ بنا، بدت لي كأنها وضعت نفسها في قالب نمطي معين وفقدت نفسها الحقيقية، ربما أصبح هذا شيئاً طبيعياً بالتزامن مع التطبيقات التي تحتوي على ميزة "قصتي" الآن لكن الشيء الغير طبيعي هو الشخص نفسه.

قالت لي صديقة وهي تعمل معلمة في مدرسة أن زميلتها المقربة في كل اجتماع لهن تتحدث عن زوجها وهداياه لها وصورهم التذكارية معاً في المطاعم والحفلات والرحلات، فقط وحدها التي تعرف أن الجيران يتدخلون عندما يسمعون صراخها لكف يد زوجها عن ضربها.

 وتقول أخرى، إن زوجي يحبني كثيرًا لكن لا يكتب لي شيئاً على صفحتي في الفيس بوك وإن كتبت له شيئاً فغالباً لا يرد لأنه لا يحب ذلك، الأمر الذي يجعل والدتي تشك بوجود مشاكل وتلح عليّ كثيراً لظنها أننا لسنا على علاقة جيدة"

إنه من المضحك نسعى لإظهار العلاقات الشخصية بشكل يتناسب مع الناس لا مع أنفسنا، حيث أنك وقلّ ما تجد أشخاصًا يكون الحب نفسه أساس علاقاتهم لأن الجميع أصبح شغله الشاغل إظهار الحب حتى إن لم يكن موجوداً، لست أدري متى جعلنا الناس لجنات تحكيم!

كما وهناك نوعٌ من الناس يحكم علاقته بمدى مشاركة الناس معه منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي، بل إنه يقوم بعمل إعجاب ليس للشيء الذي يعجبه بل لمن يضع له عدد من الاعجابات على صفحته، وقد لا يقرأ ما أُعجب به أحيانًا.

منذ فترة_ في عيد الحب تحديدًا _كنت أسير أمام مدرسة طالبات إعدادية، وكان موعد انتهاء الدوام وخروج الطالبات من المدرسة، سمعت احداهن تقول لصديقتها إن الوردة التي أهديتكِ إياها التقطي لها صورة وشاركيها معي على الفيس بوك وإلا، فقطعت حديثهن متطفلة وقلت لها: أكانت الوردة حباً لصديقتك أم حباً في إظهار حبك لصديقتك؟ وتابعت سيري ولم أسمع تمتمتها ... أصبحت أخشى أن نصل إلى استغرابنا من الأصدقاء الذين تجمعهم صداقة صادقة ولا يقومون بمشاركة صورهم!!

لا ينبغي للمرء أن يقود نفسه لمتاهات تجعل منه الشخص المسيّر والمتحول فهو ليس مجبورًا لإظهار نفسه في قالب بشري وفقًا لرغبات الآخرين.

المطلوب فقط أن نركز في أنفسنا و حاجاتنا بعفوية تامة ونظهر كما نحن نحب، ونيقن أن السعادة الحقيقة هي أن نجد من يحبنا فعلًا أو بمعنى أدق يحبنا برغم ما نحن عليه في حين أن إرضاء الناس غاية لا تدرك.