شبكة قدس الإخبارية

تسريب العقارات للمحتل بين التعاون وغياب العقاب

راسم عبيدات

مما لا شك فيه بأن اتفاق أوسلو جلب لشعبنا المصائب والكوارث، وتجلياتها كانت على مدينة القدس أشمل وأكبر،حيث أه هذه الاتفاقية جعلت مصير أهل القدس وشؤون حياتهم عرضة للإفتراس من قبل المحتل، فالمقدسي محروم من الحصول على جواز سفر فلسطيني، والسلطة في نظر الشعب الفلسطيني عامة والمقدسيين خاصة، لم تكن النموذج والطموح للنضالات والتضحيات التي قدمها، ووجد الكثير من أبناء شعبنا فيها مشروع استثماري لتحقيق مصالح وامتيازات لطبقة معينة من الشعب الفلسطيني.

وهذا الشعور دفع بتوسيع دائرة الحصول على جوازات سفر إسرائيلية من قبل شريحة مقدسية، وعمليات الإستيلاء على العقارات المقدسية والتسريب والبيع لها، كانت تجري تحت سمع وبصر السلطة وأجهزتها، بل في العديد من عمليات البيع والتسريب تجد بأن من قاموا بتلك الأفعال كان لهم حواضن يسهلون لهم الحصول على أوراق ملكية لتلك العقارات واذا ما كان أهلها غائبين، وهناك من كان يسهل لهؤلاء المهام، وأغلب الذين كانوا يسربون عقاراتهم كانوا يختلقون الحجج والذرائع بأنهم باعوا تلك العقارات أو سربوها لفلسطينيين أو عرب ولا يعرفون بأن البيع تم لجمعيات استيطانية، ولكن أقولها بشكل جلي وواضح هذه حجج وذرائع وتبريرات غير مقنعة بالمطلق، بل هناك نفسية مريضة واستعداد للبيع والتفريط بالعقار، فعندما يباع العقار بثلاث أضعاف سعره، أو أكثر فهذا يعني بأن بائع العقار يعرف جيداً لمن سيذهب العقار، ولكن  هذه حجة رخيصة وموقف مخزي، يريد التستر بهما عندما تتضح حقيقة البيع بعد مدة زمنية، يدرك البائع بأن ذلك لجهات مشبوهة ولجمعيات استيطانية.

صحيح بأن هناك شرفاء كثيرون في هذا الوطن، وهناك من عمدت الجمعيات الإستيطانية مثل "العاد" و "عطيروت كوهنيم" وغيرها من الجمعيات الإستيطانية، وبتسهيل ودعم من المستوى السياسي الإسرائيلي للسيطرة على عقاراتهم وممتلكاتهم تحت حجج وذرائع ما يسمى بالجيل الثالث وحارس أملاك الغائبين أو الإدعاء بأن تلك البيوت والمنازل على أرض هي مملوكة ليهود، ولكن لا يعني ذلك بأن هناك العديد من العقارات جرت عملية الإستيلاء عليها وبالتحديد في البلدة القديمة بالقدس وسلوان من خلال التسريب والبيع.

المساءلة والمحاسبة على مختلف المستويات بدءاً من السلطة وحتى أضيق دائرة اجتماعية للبائع لم تكن بالمستوى المطلوب، بل وجدنا بأن من يقومون بهذه الأفعال المشينة، بدلاً من أن يخجلوا على أنفسهم ويتواروا عن أنظار الناس يتبجحون بفعلتهم، ولربما أصبحوا من الوجوه الإجتماعية.

 "تسونامي" وكارثة التسريب الكبرى للعقارات التي حدثت في سلوان في تشرين ثاني 2015، والتي أسفرت عن تسريب 27 عقاراً، وسلوان مستهدفة بشكل كبير من قبل الاحتلال والجمعيات الإستيطانية، لموقعها الجغرافي بإعتبارها ملاصقة للبلدة القديمة من الجهة الجنوبية، والأنفاق التي تحفر في واد حلوة  والمنازل التي يستولى عليها، تمكن من خلق فضاء يهودي، يوصل البؤر الإستيطانية الموجودة في سلوان مع الأخرى داخل البلدة القديمة، وكذلك الأنفاق تمكن من الوصول للقصور الأموية وحائط البراق والأقصى، ناهيك عن موقع سلوان في الفكر التلمودي التوراتي، بأنها "مدينة داود".

"التسونامي" هذا لتسريب العقارات، وما لحقه وسيلحقه من تسريبات، لم يشعل الضوء الأحمر أمام صناع القرار، أو من يدعون دائماً بأن القدس خط أحمر وعاصمة للدولة الفلسطينية، وحتى على المستوى الاجتماعي والديني الردود كانت باهتة، ومن شدة الحرقة والغيرة في ظل الهجمة الواسعة للسيطرة على العقارات والممتلكات الفلسطينية، تداعى العديد من العائلات والعشائر المقدسية وممثلي المؤسسات والشخصيات الوطنية والدينية، لعقد لقاء موسع في مقر الجالية الأفريقية بالبلدة القديمة من القدس بتاريخ 31/5/2016، حيث صدر عنها وثيقة سميت بوثيقة "عهد القدس وميثاقها"، وما ورد في تلك الوثيقة لو جرى ويجري متابعته وملاحقته من خلال أجسام ولجان عملية، وليست شكلية أو نظرية، لما تواصلت عمليات التسريب والبيع للممتلكات.

نحن جميعاً شركاء فيما يحدث بالمدينة وحولها من بيع وتسريب للعقارات، لأننا خبراء في النقد والتشخيص، ولكن تغيب المتابعة والفعل، فهذه الوثيقة كلامها واضح وجميل ولكنه بحاجة لترجمات الى أفعال على أرض الواقع، "من تسول له نفسه بيع عرضه ووطنه وضميره للاحتلال سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يعتبر "خارجا عن الصف الوطني" و "خائنا لله ولرسوله"، ولا مكان له في صفوف الفلسطينيين، وتعلن العائلات المقدسية براءتها منه، ولا حق له على مقدسي، ولا يدفن في مقابرنا، ولا يصلى عليه في مساجدنا ولا عزاء فيه".

 كذلك اعتبرت الوثيقة أن البقاء في القدس واجب مقدس، ومن يفرط في أي جزء منها فقد فرط في عقيدته، وتعهد القائمون عليها بالتصدي لمحاولات الاحتلال الممنهجة لتفريغ البلدة القديمة من أهلها والضغط على الأهالي لتسريب بيوتهم.

وفي نفس السياق والإطار تداعى أبناء عائلة الرجبي الرفاعي في القدس والخليل لعقد لقاء حول عقاراتهم، وتدارس سبل حمايتها، وعدم تسريبها  أو بيعها من قبل بعض مرضى النفوس والمشبوهين الى جهات معادية، وقد أصدروا بياناً من أبرز ما جاء فيه:

  • يمنع قيام أي أحد من أفراد العائلة ببيع الأراضي والبيوت والعقارات في محافظة القدس والخليل وضواحيها الي أي كان دون الرجوع الي مجلس العائلة واطلاعه.
  • كل من يريد من أفراد العائلة بيع أرض أو عقار فعليه عرض ذلك على العائلة وأبنائها من خلال مجلس العائلة وأخذ الموافقة الخطية قبل إبرام أي اتفاق أو اجراء عقد بيع للعقار الذي يملكه أو ينتفع به.
  • في حالة عدم رغبة العائلة وأفرادها بالشراء فلا بد من عرض أي مشتري للعقار على مجلس العائلة وأخذ الموافقة المسبقة على البيع من مجلس العائلة ومن جميع الجهات المختلفة .
  • كل من لا يلتزم بمضمون ما ذكر في البنود أعلاه يتحمل وحده كامل المسؤولية في حال التسريب للعقار, وتخلي العائلة ومجلسها المسؤولية التامة عن ذلك , ويعرض نفسه للعقوبات من العائلة بالمقاطعة الاجتماعية وقد تصل الي البراءة التامة منه ومن يتعاون معه. مواصلة عمليات بيع وتسريب العقارات من قبل سماسرة وتجار وحواضن لهم من محامين ورجال أعمال ومهندسين ومتعاونين معهم من قبل مؤسسات رسمية، يدفع بالسؤال الى متى يستمر التستر على من يمارسون هذه الأعمال القذرة، والتعامل معهم على أساس أن ما حدث لا يستدعي المحاسبة والمساءلة والمقاطعة الإجتماعية والدينية!! وما هو دور القوى ولجان الدفاع عن الأراضي والعقارات في القرى التي يجري تسريب العقارات فيها؟ وما هو دور المحافظة والوزارة والسلطة والمنظمة والأجهزة الأمنية؟؟

التمادي في عمليات التسريب والبيع للعقارات والممتلكات والأراضي، يعني محاسبة ومساءلة وعدم تستر ومنح غطاء للبائعين والمسربين، فلا بد من وضع النقاط على الحرف في هذه القضايا الحساسة والخطيرة.