فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: على مقربة من مصانع الموت (جيشوري)، تصارع الفلسطينية منى عودة (54 عاما) بكل الطرق للبقاء بأرضها وزراعتها خشية سرقة الاحتلال ما تبقى منها بعد أن قضم أكثر من نصفها لصالح مصانعه وجدار الفصل العنصري.
وكشفت دراسة أعدتها البعثة المشتركة لتقصي الحقائق برئاسة الجمعية العربية لحماية الطبيعة وشبكة العمل على المبيدات في آسيا والمحيط الهادي أن الاحتلال يصنع ويتاجر بشكل غير مشروع في المبيدات السامة، ويسرب كذلك مياه الصرف الصحي الصناعي والمنزلي الخام من المستوطنات إلى أراضي الفلسطينيين.
ونقلت "إسرائيل" قبل أكثر من ثلاثة عقود مصانع جيشوري إلى أراضي الفلسطينيين بمدينة طولكرم شمال الضفة المحتلة عام 1967، وألزمت مشغليها وأصحابها "الإسرائيليين" بوقف عملها لعدة أيام في السنة تهب فيها الرياح باتجاه الغرب إرضاء للمستوطنين الذين يقطنون بالقرب منها ولتجنب الإضرار بهم.
أما المزارعة عودة التي سرق الاحتلال أكثر من نصف أرضها البالغة 32 دونما (3.2 هكتارات) ولوث ما تبقى منها، فجابهت بكل قوة ضرر تلك المصانع، وعمدت للزراعة العضوية (دون مبيدات أو أسمدة كيميائية) لحماية أرضها ومنع تلويثها.
وتقيم "إسرائيل" أكثر من ثلاثين منطقة صناعية بالضفة داخل المستوطنات أو مستقلة بذاتها، وتضم مئات المصانع التي يُنتج أغلبها مواد تخلف سموما خطرة مثل المبيدات الزراعية ودباغة الجلود والألمنيوم والأسمدة والبلاستيك.
انتهاكات جسيمة
وأكدت الدراسة المذكورة وجود 50% من المبيدات الشديدة الخطورة والتي تحظرها السلطة الفلسطينية مثل إندوسلفان ودوكاتالون (باراكوات)، ويتم إدخالها بطرق غير شرعية للأراضي المحتلة، وقد ضبطت السلطة خمسة أطنان منها منذ العام 1995 ويصعب عليها التخلص منها، كما ترفض إسرائيل إعادتها.
وتشير الدراسة التي نشرت مؤخرا إلى أن المبيدات والنفايات الخطرة والمجاري القادمة من المستوطنات تسمم مزارع الفلسطينيين ومواشيهم ومصادر مياههم السطحية والجوفية، إضافة لتسببها في انتشار البعوض الناقل للأمراض وزيادة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والعيون.
وقالت مؤسسة وعضوة مجلس إدارة المجموعة العربية لحماية الطبيعة رزان زعيتر إن بعض شركات الكيميائيات الزراعية داخل الخط الأخضر أغلقت بسبب الانتهاكات للقوانين البيئية والصحية، و"لكنها تعمل دون عقاب داخل المستوطنات غير الشرعية على حساب صحة الفلسطينيين وسبل عيشهم وبيئتهم".
وتحظر السلطة أكثر من مئتي نوع من المبيدات من أصل أربعمئة وخمسين نوعا تصنعها "إسرائيل"، وتقول رئيسة سلطة جودة البيئة الفلسطينية عدالة الأتيرة إن أخطر ما يواجههم هو "تهريب" تلك المبيدات للأراضي الفلسطينية التي تفقد السلطة السيطرة على 62% منها (مناطق ج)، كما لا يسمح لهم بالوصول للمعلومات حول المواد الكيميائية المصنعة والمستخدمة داخل المستوطنات.
وبينت الأثيرة في حديثها أن الخطر يكمن في جهل المزارع الفلسطيني في التعامل مع هذه المبيدات والعجز عن منع تهريبها.
تحرك محدود
ورصدت "الجزيرة نت" في جولات لها بعضا من المناطق الصناعية بالضفة، ويعد تجمع مستوطنات أرائيل وبركان الصناعي الجاثم على أراضي المواطنين بمدينة سلفيت أخطرها وأضخمها، إذ يحوي نحو مئتي مصنع، ومنها مصانع جيشوري بطولكرم، ومعالي أفرايم بمدينة أريحا، ومعظمها يختص بالصناعات الكيميائية التي تنتج مخلفات خطرة.
لمواجهة هذا الوضع، يقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف إن الهيئة قامت بمعية وزارة الزراعة بأخذ عينات للتربة من تسع مناطق لمعرفة مدى تأثير مياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة والسائلة، كما هي الحال بوادي قانا غرب سلفيت حيث لوثت مجاري المستوطنات المياه الجوفية، "ولم يزل أثرها قائما رغم فصلها بأنابيب خاصة منذ سنوات قليلة".
ويقول عساف والأثيرة إن السلطة أدرجت ملفات الانتهاكات البيئية ضمن ملف الاستيطان ككل، وتمنت الأتيرة أن ترفع الملفات للمحكمة الجنائية الدولية والمؤسسات الحقوقية بشكل منفصل.
وأكدت الأتيرة أنهم يكثفون حملات "البحث والتفتيش" لكشف خروقات مصانع الاحتلال، وإبلاغه عنها عبر إدارة الشؤون المدنية الفلسطينية، إضافة إلى إبلاغ سكرتارية اتفاقية بازل العالمية للنفايات الخطرة بخروقات الاحتلال لكون فلسطين عضوا فاعلا بها.
المصدر: الجزيرة