قد تسبقني أقلام كثيرة تمجد بصمود خيمة الاعتصام في حي البستان ببلدة سلوان لعامٍ آخر، قد تسبقني وتكتب عن سنة أخرى مرت دون أن يهدم منزل في الحي، لكني أكتب اليوم لأخبركم أن سنة جديدة مرت على أمهات حي البستان وهن يختبرن الخوف في كل لحظة.
سنة جديدة مرت كان كل يوم فيها بمثابة الترقب والاستعداد لهجوم بلدية الاحتلال في أي لحظة ليوزعوا إخطارات هدم إدارية جديدة أو يطالبوا بغرامات مالية باهظة
سنة جديدة مرت والأم تستقبل ابنها العائد من السجن وتودع في الليلة التي تليها ابناً آخر عائد إلى السجن بتهم ما عاد القلب يقوى على تذكرها كما هو حال عائلة الزيداني وابنها الأسير عامر من حي البستان.
سنة أخرى والسجن يسرق من أعمار شبابنا وطموحاتهم ليغدو العمر الذي قضوه في السجن أطول من العمر الذي حظوا به في أحضان أمهاتهم كما هي حال عائلة الاعور وابنهم صهيب.
سنة أخرى والسجن لا يرحم كهلا ولا شباب والتهمة حب الأرض وحب الأقصى وحب الوطن فيقضي الأب حكماً في السجن وفي ذات الوقت يعاقب أهله في الخارج بأوامر الهدم لبيتهم والغرامات المالية بحجة عدم الترخيص كما هي حال عائلة العباسي ووالدهم العم أبو فراس
سنة جديدة مرت والأطفال محرومون من أمهات غيبتها السجون بتهمة عرقلة القوانين أو مقاومة المحتل والذنب كل الذنب أن الأم حاولت منع الاحتلال من سرقة طفلها أو ضربه كما هي حال عائلة الشلودي والسيدة شفاء في حي البستان
سنة جديدة صمد فيها حي البستان وسلوان رغم الاهمال والتقصير من كل المستويات والقلة القليلة التي تتابع خطوات الخيمة للصمود.
سنة جديدة سبقتها سنوات ، في كل سنة نستقبل العام الجديد بلهفة المنتظر عسى أن تشرق شمس الحرية على الأسرى وتعود الأرض لأصحابها .
وبانتظار قرار المحكمة بالهدم او الاستئناف للتمديد سيكون انتظار 1-3-2017 هو بمثابة جحيم جديد يعيشه أهل الحي رجالاً وأطفالاً ونساء ، هذا التاريخ المشؤوم الذي قد يتحول لتاريخ نكبة جديدة إذا ما تم هدم وتهجير أهالي حي البستان.
88 منزلا في حي البستان يسكن فيها أكثر من ألف، مستعدون لأن يتمسكوا بالأرض بكل ما آوتوا من قوة وعزيمة، ينتظرون سنة جديدة كلها صمود وأمل أن المواقف ستتحول من فردية إلى جماعية لحل مشكلة القدس العاصمة عامة وسلوان خاصة.
تنتظر أن يقف الجميع ضد كل وسائل التسريب والتهريب والاستيلاء التي تحصل .
ورغم الخطر ورغم الجراح يتابع أشبال وزهرات سلوان اعتنائهم بمحبوبتهم فيبدعون ويتمسكون بهذه الأرض ويحملون الشعار الذي تربوا عليه: (صامد أسلوب حياة نحو الحرية وسنكون يوماً ما نريد )
ليعلنوا للعالم أجمع أن قضيتهم هي قضية وجود، وأن الخيمة وإن أحرق شادرها أو مزق مع المطر هي برمزية المكان لا بكينونته فقط ...
فتحية كل تحية في يوم ميلاد الخيمة من جديد لكل أم صابرة في سلوان وفي القدس ،ولكل طفل ضحى بطفولته للسجن اللعين.
تحية لكل أب يغرس شجرة في بيته وهو لا يدري إن كان سيأكل من ثمرها قبل أن يغتالها احتلال يرى سلوان مشروع استيطان لا بديل عنه حدائق ومتنزهات تقوم على أشلاء ذكريات ووجود لحي كان وسيكون وسيبقى رغم ظلم الظالمين
ثمان سنوات والخيمة صامدة وأهل سلوان يرددون هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون .
ثمان سنوات والهجمة على سلوان تلو الهجمة فلا يخفى على الجميع المخططات التهويدية الاحتلالية بالأحياء الأخرى نستذكر منها مشروع كيدم الاستيطاني في وادي حلوة وتهويد الحي والحفريات أسفل منازله، مشروع الحارة الوسطى وقرار الاستيلاء على ٥٢٠٠ دونم ومئتان متر وتوزيع قرارات إخلاء منازل المواطنين بحجة ادعاء ملكيتها السابقة بعام ١٨٩٠ ليهود اليم ، ومخطط هدم المنازل في حي الدهينة في عين اللوزة.
لتكون هجمة الاحتلال على سلوان بكل أحيائها لا على حي البستان فقط .
فهل تتوحد كل خيام الصمود بخيمة واحدة كبيرة تضم كل القلوب والأوجاع أم يستمر الشتات والفرقة إلا أن نصبح أقلية في البلدة التي تربينا على خيرها وشربنا من نبعها ...
وهل ستمر سنة أخرى صامدة أم يطوى ملف حي البستان بصمت وتلحق به سلوان ثم تصبح القدس في نهاية المطاف بمعالم اسرائيلية؟!