تدوينات - قدس الإخبارية: من الممل أن نكتب كلمات توجيهية لطالب جامعي على أعتاب التخرج. ماذا سنقول له؟ أنه لن يجد وظيفة أحلامه؟ أنه يجب أن يحمل "واسطته" معه؟ أو هل نعطيه إرشادات كيف يكون "مستعبدا" بشكل أفضل في سوق العمل الرأسمالي؟ الأمر برمته غير لطيف.
لكن بما أن الأمر حاصلٌ لا محالة، وبما أن ذلك الطالب على أعتاب التخرج، وأنه سيبدأ قريباً بعرض مهاراته ومعرفته للبيع في سوق العمل، ولأن الكثيرين غير محظوظين بأناس يعينوهم في بداية هذه الطريق ويدلونهم، نكتب بعض هذا "الكلام" (في محاولة للهرب من تسميتها نصائح).
الدورات التدريبية
على الأغلب أقنعك أحدهم يوما ما، أو ربما لم يجتهد في إقناعك، بل أنت اقتنعت من تلقاء نفسك، أنه يجب أن ترمي نفسك في أية دورة أو ورشة عمل، أياً كان موضوعها واختصاصها. خاصة إذا كانت هذه الدورة مجانية، وما أكثر الدورات المجانية في بلادنا المكنوبة بسياسات التمويل والـ NGO التي تريد "تأهيلنا" و"إرشادنا".
لكن يا هذا، انتبه، لا يوجد لديك الكثير من الوقت لتضييعه، لا تقول في داخلك "يلا دورة وشهادة وبنحطها على السي في"، تريد أن تضعها في سيرتك الذاتية، لا ضير، ولكن إذا كانت طالب هندسة على سبيل المثال، لن تغري المشغل سيرتك الذاتية لو كانت دوراتها تتعلق بالتنمية البشرية، وحقوق النساء، وكيفية تحقيق العدالة، وما إلى ذلك من عناوين لا طائل منها امتلأت بها أجندة المؤسسات في بلادنا.
ركزّ على الدورات التدريبية التي تضيف إلى رصيدك العلمي والمعرفي الذي تريد أن تستثمره في الحصول على عمل. لا تجعل اعلانات الNGOs ودوراتها المجانية تغريك، فلماذا تضيع من وقتك في دورة لن تعود عليك بأية فائدة في مجالك، ولا حتى في حياتك العامة في هذا المجتمع؟ مرة أخرى، ركّز على ما يبني خبرتك في مجال عملك واختصاصك، وما يضيف لك شيئاً يمكن استثماره مستقبلاً. عندما يتاح لك الوقت وتبني خبرة جيدة ومعرفة كافية، اذهب وخذ ما تريد من الدورات، حتى لو كانت في لغة الأسكيمو.
في هذا الجانب كذلك، وبعد أن تختار الدورات التي تخصّ مجالك، وتصب في تحقيق طموحك الوظيفي، انتبه من الأسماء البراقة ودورات "الموضة" الطارئة. إذا كان عنوان الدورة يصب في مجالك، قد لا يكون مدرّبها متمكناً من موضوعها، وقد يكون اسماً لامعاً من الخارج لا أكثر ولا أقل، خاصة إذا كان من أولئك الحريصين على وضع حرف "الدال" قبل أسمائهم، أو إضافة صفة "الخبير"، دون أي عمق في الطرح أو التدريب.
أكثر الأمثلة رواجاً على ذلك هو موضوع الاعلام الاجتماعي، أو بلغة أكثر جذبا "السوشال ميديا". كل كيلومتر في هذه البلاد تسمع عن دورة في "السوشال ميديا". عزيزي، عزيزتي، ماشي حلوة "السوشال ميديا"، ولكن، لا نظنك غشيماً عن ركّاب الأمواج، الذين ما أن يجدوا موضوعاً له سوقه حتى يسارعون للانتساب إليه وإدعاء المعرفة والخبرة فيه. نحن متأكدون أن 90% ممن أعلن لهم عن دورات في السوشال ميديا، خرج المشاركون من باب دوراتهم بلا فائدة تذكر. لذلك تخيّر المجال، وتخيّر المدرب.
أطلنا عليك، ولكن صبرك علينا، في حال كنت "مكبر راسك" ولا تهتم للكرتونة المسماة "شهادة"، فهناك دورات مجانية في كلّ مكان، ليس في مؤسسات التمويل فحسب، وإنما على الانترنت، وعلى يوتيوب، ببساطة اكتب على يوتيوب الموضوع الذي تريد وستجد ضالتك في كثير من الأحيان، مما يغنيك عن وجع رأس المحاضرات والمدربين المملين.
"شوية" مهنية
نحن نعرف أنك "قرفان حالك"، وأنك مقتنع أن الواسطة تلعب دوراً كبيراً في التوظيف، وبالتالي فأنت فعلياً – لا مجازاً – "تزت" سيرتك الذاتية "زتاً". عدا عن أنها سيرة ذاتية رديئة كتبت فيها اسمك بالانجليزية بحروف صغيرة small letters، ووضعت فيها صورتك وأنت شبه مراهق، سامحناك على ذلك، إلا أنك زدت الطين بلة، وعندما هممت بإرسال هذه السيرة، عفوا بـ"زتها"، أرسلتها في "إيميل" لا يحمل أي عنوان، ولا يتضمن أي نص، ولا أية تحية للجهة المستقبلة.
وبالتالي، نحن نرجوك أن تحاول إعطاء انطباع جيد لأولئك الذين ستصل سيرتك الذاتية إلى صندوق الوارد في بريدهم الإلكتروني. ضع بعض الكلمات في خانة العنوان، لا تكتب "سيرة ذاتية"، سيرة ذاتية لمن؟ لأمك؟ اكتب مثلاً: التقدم لوظيفة مهندس، سيرة ذاتية لمحمد سعيد. ريّح مديرك المستقبلي المحتمل، ربما نكدت عليه زوجته اليوم ولا يريد أن يفتح الرسالة ويفتح المرفق ليرى من الذي قدّم سيرته الذاتية، اكتب له في العنوان المختصر المفيد.
ومن ثم نحن نرجوك أن تكلف نفسك عناء كتابة بعض الكلمات في نص الرسالة. من المعيب جدا ومن الأمور التي تعطي انطباعاً سيئاً أن ترفق سيرتك الذاتية في الإيميل بدون "لا احم ولا دستور". هذا هو فعليا معنى "الزت" الذي نسخر منه. اكتب بعض الكلمات: (تحية طيبة وبعد، بخصوص الإعلان عن الشاغر في شركتكم الموقرة، أرفق لكم سيرتي الذاتية، ونماذج من أعمالي السابقة، مع جزيل الشكر والتقدير، دينا سعيد، صحفية).
لحظة لحظة، كتبت رسالة جيدة بعنوان جيد، ونص جيد، وأرفقت السيرة الذاتية، وكله تمام. أتذكر، كنا نتحدث عن المهنية؟ "معلش" الحياة صعبة، يجب أن تصبر. حاول أن تتفادى صدمة المدير – الذي في مثل هكذا حالة لن يكون مديرك المستقبلي بكل تأكيد – عندما تصله رسالة إلكترونية "إيميل" من عنوان يحمل الكلمات التالية بالعربيزي: "ميمو المتوحش"، أو "بنت العز"، أو "كيكو الحلوة". حاول أن تلغي من حياتك وتحذف ذلك البريد الإلكتروني الذي أنشأه لك ابن الجيران، أو بنت عمتك الجامعية، في سنوات المراهقة. انشأ حساباً جديداً للبريد الإلكتروني بدون هذه الفضايح، ببساطة اسمك الأول والثاني. بدون فضايح الله يرضى عليك.
وإن شاء الله تلاقي شغل!