عندما طُُلب مني أن أختار ثلاثة من طلبة المدرسة ليكونوا الذراع الطلابي لحركة الشبيبة الطلابية في مدرسة ذكور تقوع الثانوية، مسؤولية أن أختار كمعلم ثلاثة طلاب من بين “600 طالب” في مدرستي ليس بالأمر السهل، ولكي أختار من يمثل مدرسة الشهداء أروع تمثيل أول من خطر ببالي قصي ابن الثاني عشر علمي ذاك الطالب الخلوق المتزن الهادىء صاحب الإبتسامة الخجولة.
كيف لا وهو الذي أعرفه أيضاً خارج المدرسة خلوقًا كما يكون في داخلها فنحن نسكن نفس الحي (ميدان الشهيد خليل الوزير)، فقصي أعرفه الطالب الذي عقله أكبر من عمره فقد كبر قبل آوانه فأجده دائماً نظيفاً أنيقاً هادئاً رجلاٌ بما تعنيه الكلمة.
طوال تواجده في المدرسة لم نسمع معلماً يذمه ولا طالب يشتكي منه فكان خير قدوة للطلبة نفخر به ونرى فيه نموذجًا للطالب الفلسطيني الوطني الذي غرس في وجدانه حب الوطن وعشقه للشهادة التي كان يذكرها كثيراً
السنة الماضية عندما أصيب في قدمه بعيار ناري وغاب عن المدرسة بضعة أيام، فوجئنا بقدومه لمباشرة دوامه وهو لا يقوى على الوقوف ويستعين بعكازيه على المشي، أيقنت أنه هذا الطالب يمتلك من العزيمة والاصرار القدر الكافي ليقول للمحتل لا لن تقهرونا ولن تمروا إلا على دمائنا، فواصل قصي دراسته وهو مصاب على أمل تحقيق حلمه بأن يصبح مهندساً.
بعد أن شُفي من إصابته قامت قوات الاحتلال بإعتقاله ليؤكد أن الاحتلال همجي ووحشي لا يرأف بأشبالنا ولا بأحلامهم.
بالأمس عندما شاهدت قصي يصل ميدان خليل الوزير بأحد التكاسي من مدينة بيت لحم نظرت إليه وكأنه سيحدث له شيء، فما إن وصل إلى منزل أخيه حتى توضأ وصلى لله ركعتين وطلب الشهادة قبل أن يخرج من البيت، ولمّا سمعنا إطلاق النار الكثيف ورأينا جنود الأحتلال كالوحوش الغاشمة ينقضّون بإتجاه مكان تواجد الشبان وإذ بهم عائدون وهم يسحلوا جسده الطاهر.
رأيت فيه الشهيد شاكر حسونة وكأن دماء قصي إمتزجت بدماء شاكر بعد ١٥ عاماً لم أكن أعرف أنه قصي، قصي لم يحقق حلمه بأن يصبح مهندساً ولم ينل شهادة الثانوية العامة فأختار ربه له أن ينال الشهادة الأعظم، فقصي نال شرف التضحية لتراب هذا الوطن فكان جريحاً ثم أسيراً ثم أمسى شهيداً.
أوجعت قلوبنا يا قصي وأبكيت عيوننا وهنا أدركت أن هذه الدنيا لا تخطف من بيننا ‘لا الأفضل؛ فلروحك الرحمة يا قصي.