فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: على تلة صغيرة حطت رحال عمر ذياب، إنها المرة العاشرة التي يغادر بها مسكنه في قرية المالح بالأغوار الشمالية في الضفة الغربية ويتنقل من مكان لآخر، ليس طلبا للماء والكلأ بل هي إجراءات الاحتلال التي تفرض عليهم إخلاء المنطقة بغرض التدريبات العسكرية.
وذياب (44 عاما) واحد من عشرات الأهالي الذين يُهجِّرهم الاحتلال على مدار العام وخاصة خلال التدريبات التي تتزامن وموسمي الزراعة والحصاد فيصير حاله أقسى، ومن ساء حظه من المواطنين يُجبر على الرحيل عن المكان بلا رجعة.
"يحاصرنا الخوف من كل جانب، حتى التراب لم نعد بمأمن من لمسه" يقول ذياب واصفا خطورة الوضع الذي يعيشونه خلال التدريب أو بعده بفعل مخلّفات يتركها الجنود لتفتك بهم وحيواناتهم، حتى أنه أصيب أربع مرات "واحدة منها بسبب قنبلة حارقة".
ليس هذا فحسب، بل يحظر الاحتلال على الأهالي الوصول لمراعي المواشي التي يحوِّلها لساحات حرب حقيقية، وهو ما يضطرهم لإطعامها على حسابهم الخاص.
مخلفات قاتلة
وتحتاج ثلاثون رأسا من البقر يمتلكها ذياب لأكثر من ثمانين دولارا يوميا لتوفير الطعام لها إذا لم تخرج للرعي، وهناك المئات منها ومن رؤوس الماشية بمنطقة المالح التي تسكنها أربعون عائلة أو أكثر، حيث "يتحوَّل الأمر لكارثة وعبء اقتصادي إذا طال أمد التدريبات تلك".
لكن الأسوأ أن هذه التدريبات -التي يستخدم بها الاحتلال آلياته العسكرية الثقيلة من المدافع والدبابات وحتى الطائرات- تتزامن وفصل الشتاء، ما لم يُمكِّن المواطنين من زراعة أراضيهم، ويُضاعف مأساتهم الهدم الإسرائيلي لمنازلهم الذي يصاحب عمليات الإخلاء والتدريب.
بالقرب من ذياب يقطن الحاج عيد زواهرة (76 عاما) وسبعة من أفراد أسرته، حالفهم الحظ هذا العام فلم يُرحلهم الاحتلال من منازلهم، لكنه حاصرها خلال التدريب ومنعهم ومواشيهم الخروج منها.
يشير العجوز زواهرة إلى كوم من الحجارة بالقرب من منزلهم ويقول: بين تلك الحجارة جسم غريب يعتقد أنه بقايا صاروخ أو قنبلة من مخلفات الجيش قد سقط خلال التدريب بين تلك الصخور قبل أكثر من عشر سنوات ولم ينفجر ولم يعمل الاحتلال على إزالته.
ويُحذِّر الرجل أيا من الاقتراب منه أو العبث به لا سيما الأطفال، ذاكرا أن نجله أصيب بانفجار من تلك المخلفات قبل سنوات قليلة وبترت أصابع يده.
وتضيف المخلفات إلى مسلسل الرعب جرّاء التدريبات الإسرائيلية خوفا أكبر يعيشه السكان طوال أشهر عدة خلال العام، يبدأ بترحيلهم وهدم بيوتهم وينتهي بحرق محاصيلهم وأجسادهم مع تلك المخلفات.
يقول عارف دراغمة الباحث في مؤسسة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية إنهم رصدوا أكثر من خمسين عملية إخلاء بالقوة في الأغوار الشمالية خلال العام الحالي التي يقطنها ما يزيد على 15 ألف مواطن يعيشون في نحو ثلاثين قرية وتجمعا بدويا.
تهجير بالقوة
بينما يستبيح بضع مئات من الإسرائيليين تسع مستوطنات وسبعة معسكرات للجيش احتلت أراضي المواطنين منذ أربعة عقود، وسيطرت بطرق مختلفة (العسكرية والمحميات الطبيعية) على الجزء الأكبر من مساحتها (75%) والمقدرة بنحو ربع مليون دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع).
وأصيب نحو عشرين فلسطينيا بمخلفات الجيش خلال تدريبات العام الجاري "وقبل سنتين استشهد ثلاثة خلال شهرين فقط" وفق مسؤول ملف الاستيطان بالأغوار الشمالية معتز بشارات.
كل تلك الممارسات -وفق بشارات- تهدف لتهجير السكان وتقويض وجودهم واستبدالهم بالمستوطنين، ويدلل على ذلك حجم التدمير الكبير للأراضي عبر حفر الجنود الإسرائيليين للخنادق خلال التدريب وملاحقة المواشي ومصادرتها والمعدات وفرض غرامات مالية كبيرة لاسترجاعها ما يضطرهم للتخلي عنها.
ويضيف لـ الجزيرة نت أن 1300 مواطن أجلوا من منازلهم خلال العام الجاري 2016 لساعات وأيام في غالب الأحيان، بينما هدم الاحتلال وأخطر أكثر 1350 منشأة في العام ذاته.
وفي الوقت الذي يعمل به الاحتلال وبكل الطرق لفرض سيطرته على الأغوار، ترمي جهود السلطة الفلسطينية سياسيا وقانونيا لتثبيت السكان بأرضهم وهو ما يعتبره المواطنون دون المستوى المطلوب.
المصدر: الجزيرة