نابلس - قدس الإخبارية: في زقاق بالحي الغربي ببلدة عرابة بمدينة جنين شمال الضفة الغربية، كانت الحاجة الفنانة سميحة لحلوح بانتظارنا ولم نحتج سوى بعض المكالمات الهاتفية والإشارات المحيطة بالمنزل من ورود وأزهار للوصول إليها.
ولم تكن الأزهار مجرد زينة ومعلم لمنزل التشكيلية لحلوح وهي تقترب من عقدها التاسع، بل شكّلت فرصة ثمينة لتكمل رسمها خلال المقابلة، فهي تبرع في رسم الأشياء وتشكيلها بدقة عالية وفي وقت قصير.
كاد جسدها النحيل واحديداب ظهرها أن يجعلاها تلامس الأرض وهي تستقبلنا بمنزلها، وهناك أضحت علما ليس بمهنتها خياطةً لأكثر من سبعة عقود، وإنما بوصفها فنانة تشكيلية لمعت بإبداعها فأضحت ترسم ما تتخيله وتسقط ما تراه واقعا.
في الحي ذاته اكتشفت سميحة موهبتها قبل سنوات قليلة، فابتاعت لنفسها بعض الألوان والأوراق من المكتبة، وهنالك سألها البائع "لمن هذا يا حاجة أم سمير؟"، فردت دون خجل "لي" وانطلقت والفرح يغمرها كأنها فتاة يافعة، ثم أخذت تخط رسوما لحيوانات أليفة تقاسمها العيش بالمنزل بعد أن توفي الزوج وغدا الأبناء كل وشأنه.
حلم رئاسي
"حلمت بالراحل ياسر عرفات وهو يطلب مني أن أرسمه، فحققت له رغبته ووعدني بأخذي إلى فرنسا وإيطاليا فأخبروني فيما بعد أنها بلاد الفن"، تقول سميحة وهي تروي بدايات مشوارها الفني وموهبتها التي اكتشفتها قبل خمسة أعوام فقط عندما شرعت في بث مكنوناتها وما اختلج بالصدر والفكر.
ابتدأت سميحة هذا المشوار بالخياطة واتخذتها مهنة لتسهم في إعالة أسرتها، وساعدها ذلك في تكوين شخصيتها العصامية، وأسهمت صنعتها بالاحتراف في إخراج أعمالها التشكيلية.
وللفن التشكيلي في حياة سميحة حكاية مختلفة، إذ لم تقف عند تلبيتها رغبات الأطفال برسمهم أو الرسم لهم أو حتى باختيارها العفوي للوحاتها وأعمالها المتنوعة بين الشجر والبشر والحيوانات والأزهار وغير ذلك، بل تملّكت قلوب الآخرين ببساطتها وسعيها الدؤوب لإسعادهم.
"تُسخّر والدتي نفسها لتقديم كل ما يفرح الناس، فهي تتمتع بروح إيجابية عالية"، تقول كفاية لحلوح ابنة الفنانة سميحة، وتضيف أن والدتها تنسجم بسهولة مع الآخرين من مختلف الفئات العمرية "ويغبطنها" الجارات وقريناتها في العمر.
حدود الإبداع للتشكيلية العجوز تعدت الورق وكراسات الرسم إلى إسقاط فنها على الجدران، فخطت بريشتها جدارية عند مدخل المنزل تجسد بعضا من حيواناته الأليفة، كما أبهرت فنانين كبارا بقدرتها على نقل بعض التفاصيل بحذافيرها.
وطافت أعمالها أماكن عدة دون الانتظام بمعارض رسمية عبر سفراء محليين من طلبة الجامعات والأقارب وغيرهم، وحضرت بشخصها وفنها لتكون بطلة أحد الأفلام الوثائقية.
عدّة متواضعة
لكنْ ثمة شيء يغيب عنها ويوجد لدى فنانين آخرين، إذ لا تتجاوز عدتها الفنية بضعا من ألوان الخشب والماء والأوراق الصغيرة الحجم، وتكمن البساطة في تحويل كل منضدة تتكئ عليها لمرسم لتفيض بأجمل ما لديها، "فأحيانا كثيرة أستخدم المسند كمرسم" تقول مبتسمة.
ولهذا لم تعش الفنانة سميحة "حالة اغتراب وعزلة" يعيشها نظراؤها الفنانون، واستطاعت ملء وقت فراغها بالكامل، واستخدمت الفن دون ابتذال وتصنع وما راق لها، فتناغم وواقعيتها وعفويتها في الإبداع.
وهي برأي الفنان التشكيلي محمد الشريف "استثناء" فلسطيني وحيد كونها تواصل تطوير موهبتها التي اكتشفتها متأخرة، وقال إن عملها ينبع من إحساسها الصادق باللون وبنسب وتناسب رائع وهذا أساس نجاحها والشيء المهم أيضا أنها تنمّي قدراتها الروحانية وتفرغ طاقتها الكامنة.
ويصعب الحكم على أعمالها التشكيلية من ناحية أكاديمية لأن لها خاصيتها وهي حالة استثناء. لكن أثر المدرسة الواقعية التي تنتهجها سميحة يبدو واضحا في أعمالها التي زادت عن المئتين دون أن تخرج عن حقيقة الأشياء، مما يبقي رسالتها الفنية قائمة حتى بعد الموت.
المصدر: الجزيرة نت