بيت لحم – خاص قدس الإخبارية: يصفع الهواء حبل الغسيل الملون مرة تلو الأخرى، وما زال الأخير يترنح بثبات، منبئ أن البيوت المحيطة تنبض بالحياة رغم السكون المخيم، وما هي إلا ثوان حتى يطل أصحاب الحي مستقبلين الضيوف.
الحظ حالفنا هذه المرة، فلا جنود يقفون على الحاجز المقام على مدخل خربة الشيخ زكريا "اسكاريا"، ليعيدونا أدراجنا كما اعتادوا الفعل مع الضيوف الذين يحاولون الوصول إلى القرية دائما، فالاحتلال يمنع غير سكانها من الدخول إليها، وخاصة أنها تقع داخل تجمع "غوش عتصيون" الاستيطاني المقام إلى الجنوب الغربي من أراضي مدينة بيت لحم.
الاستيطان لم يبتلع الشيخ زكريا
بين البيوت التي يهددها الاحتلال بالهدم، وقف رئيس المجلس القروي محمد إبراهيم محدثا المشاركين بالجولة التي نظمها مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، بخصوصية القرية التي بقيت شوكة في حلق تجمع "غوش عتصيون" الاستيطاني.
"تحت ألواح الزينكو وجدران الطوب يعيش أهالي القرية في منازل لا تتعدى الغرفة الواحدة، فالاحتلال يمنعنا من البناء والتوسع .. وحتى هذه البيوت مهددة بالهدم أيضا كما الشارع الذي نقف عليه"، يقول محمد إبراهيم، مشيرا إلى أن أهالي القرية يخوضون (٣٣) معركة قضائية في محاكم الاحتلال.
ويبين أن قرية الشيخ زكريا تمتد على سبعة آلاف دونم موزعة على خمسة تجمعات سكانية يبلغ تعدادها (٦٥٠) نسمة، تحاصرها وتضييق عليها (١٢) مستوطنة، إلا أنهم يستمدون صمودهم من معركة وقعت في المكان عام ١٩٣٦، استطاعت خلالها الجيوش العربية تحرير الأراضي التي سلبتها عصابات المستوطنين قبل أن يعاد احتلالها مجددا آنذاك.
تقاوم بلا مياه
على جانبي الطريق، تستقبل داليات العنب القادمين للقرية، فرغم انتهاء الموسم، إلا أن خيرها لم يتوقف بعد، وما زالت تحمل بعض القطوف لضيوفها.
يقول محمد إبراهيم: "تعتمد القرية على العنب واللوز لأنها زراعة بعلية، فالاحتلال يضيق وصول المياه إلى القرية، وما يصلنا لا يكاد يكفينا للشرب"، على الرغم من وجود خزان مياه كبير يقيمه الاحتلال على أراضي القرية المسلوبة، إلا أنه يبيع سكانها المياه بضعف الثمن المباع للمستوطنين.
وقبل عدة سنوات، عرضت حكومة الاحتلال على أهالي القرية العيش في تجمع واحد مقابل منحهم بنية تحتية والسماح لهم بالبناء، يقول صلاح شاهين أحد أهالي القرية: "رفضنا هذه المحاولة على ترحيلنا من القرية ... وأخبرناهم أن رحيلنا لا يكون إلا إلى القبر".
شباب الشيخ زكريا
على شجرة السرو العالية، بنى شبان حي خلة البلوطة كوخا خشبيا صغيرا يجتمعون فيه مساء، ليخلقوا منه حيزا يفرغون به طاقاتهم الشبابية، بعيدا عن ملاحقتهم المستمرة من سلطات الاحتلال.
حسين خليل أحد الشبان يروي لـ"قدس الإخبارية": "قام الشبان ببناء هذا الكوخ ليتسلوا معا ويسهرون فيه فهم يستخدمونه للترفيه عن أنفسهم"، لافتا إلى أن الكوخ مخبأ بين أغصان الشجرة وإن اكتشفه الاحتلال فسيقوم بهدمه، وهو المتوقع بأية لحظة.
خلة البلوطة، تقع على مسافة قريبة جدا من بلدية مستوطنة "غوش غتصيون" إضافة لمدرسة للمستوطنين، ما يوقع المنطقة تحت اعتداءات المستوطنين المتواصلة، يعلق حسين: "تتعرض المنطقة لاعتداءات متواصلة من المستوطنين، حيث يهاجمون بالحجارة السكان، ويلاحقون الشبان والأطفال، كما يحاولون دهسنا بمركباتهم".
ويكثف الاحتلال من تضييقاته على شبان القرية خصوصا، فيبين حسين أنه عند توجهه للعمل صباحا وعودته منه عصرا يخضع للتفتيش الدقيق، "رغم كل ما نعيشه يوميا، إلا أننا نزداد صمودا وثباتا في هذه الأرض، وسنبقى فيها رغم أنف الاحتلال.. فكما حافظ عليها أجدادنا سنحافظ عليها".
مدرسة تصمد بوجه قرارات الهدم
بين يوم وليلة مستغلين فترة الأعياد اليهودية، بنى أهالي قرية الشيخ زكريا مدرسة أساسية من جدران الطوب وسقف الزينكو لتحتضن أطفالهم، "مر أحد ضباط الاحتلال وتساءل مستهزأ "كل هذه مدرسة؟".. بينما ننظر إلى مدرسة المستوطنين القريبة المكونة من أربعة مباني" تقول مديرة المدرسة.
المدرسة أقيمت عام ٢٠٠٥، تحتضن بداخلها (٣٥) طالبا في المرحلة الابتدائية، وعند انتقالهم للمرحلة الثانوية لتوجب عليهم الذهاب إلى إحدى مدارس القرى المجاورة.
"نشعر بالخوف دائما، فبأي وقت المدرسة مهددة بالاقتحام من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين"، مشيرة إلى أن الظروف التي تعيشها القرية تنعكس سلبيا على أطفال القرية وتحصيلهم العلمي وخاصة أنهم محصورين في بيئة واحدة تحرمهم من تطوير مهاراتهم.
وبجانب المدرسة، أنشأت نساء القرية مصنعا خاصا لهن، ينتجن به منتجات العنب الذي تزرعه القرية، "نصنع هنا الدبس وورق الدوالي والمربيات والملبن والأعشاب.. كل شيء تنتجه أراضينا نصنعه هنا" تقول حنان كامل، أحد القائمات على المصنع.
وتبين أن المصنع بات يشكل مصدر رزق لنساء وأسرهن، رغم صعوبة التسويق بسبب العقبات التي تواجه القادمين إلى القرية، "أقيمت المصنع قبل أربع سنوات، إلا أننا ما زلنا في البداية .. نطمح لنطوره ونوسعه".
القرية صامدة بنصف مأذنة
تشتهر القرية باحتضانها مقام النبي زكريا، والذي يعيد السكان عمره لـ ١٨٠٠-٢٠٠٠ عاما، رئيس المجلس القروي محمد إبراهيم يبين لـ قدس الإخبارية، "مساحته ٨٠ مترا، يستخدمه الأهالي كمصلى، يتسع لعدد قليل منهم والباقي يصلي في الخارج وفي محيطه".
وعلى المقام ترتفع نصف مأذنة، فالاحتلال ومنذ عام ١٩٨٠ وهو يمنع أهالي القرية من بنائها، "بعثوا لنا قرارا يمنعنا من رفع الأذان بمكبرات الصوت .. إلا أننا لم نرضخ للقرار".
قوات الاحتلال اقتحمت المكان وصادرت مكبرات الصوت عدة مرات إلى أن توصل الأهالي لخدعة تخبئة السماعات داخل أغصان الشجر، كما يوضح إبراهيم للشبكة.