رام الله – خاص قدس الإخبارية: "أعيش برعب، أخاف أن يطلقوا علي النار واستشهد فجأة" تقول أية أبو حطب والتي تضطر الذهاب لمدرستها مشيًا من أمام معسكر لجيش الاحتلال، أقامته الأخيرة على أراضي بلدة سلواد شرق رام الله.
على أرجوحتها تجلس أية أبو حطب وخلفها تماما جدار معسكر جيش الاحتلال، بالرغم 17 عامًا مرت وهي تقطن في المنطقة ذاتها، إلا أن الشعور بالخوف لم يعد يفارقها اليوم.
"كنت عائدة من المدرسة حينما قطع طريقي عدد من الجنود وهم يصرخون موجهين أسلحتهم اتجاهي"، تروي أية لـ "قدس الإخبارية"، مبينة أن جنود الاحتلال فتشوا حقيبتها المدرسية ووجهوا سلاحهم صوبها ورغم طلبها منهم أن يتكلموا معها بالانجليزية لتخبرهم أنها متوجهة لمنزلها إلا أنهم ردوا "لا منزل لك هنا".
محاصرة المنزلين
ففي ٢٧ تشرين أول، أغلقت قوات الاحتلال المدخل الجنوبي لبلدة سلواد، بعد عملية اطلاق نار فدائية استهدفت معسكر جيش الاحتلال المقام في المكان، سبقه بساعات قليلة اعدام الشهيد معن أبو قرع بعد اتهامه بتنفيذ عملية طعن على مدخل مستوطنة "عوفرا" القريبة.
الاحتلال يدعي أن اغلاق المدخل الجنوبي للبلدة من مداخله الثلاثة (سلواد، عين يبرود، شارع ٦٠ الاستيطاني) يهدف لحماية معسكر الجيش، إلا أن الإغلاق طال منزلين مقامين في المكان منذ السبعينات، ليقطع بذلك تواصلهما مع المحيط.
أسرتا أبو حطب وحامد مجبرتان على المشي لمسافة أكثر من ٨٠٠ متر، بين مستوطنة عوفرا ومعسكر جيش الاحتلال وهو ما يعرضهما للاعتداءات المتكررة.
الساعة الواحدة ونصف ظهرا، تتوجه غادة أبو حطب بمركبتها إلى المكعبات الاسمنتية التي تعيق وصولهم إلى بلدة سلواد، لتلاقي طفلتها آية وأطفال الجيران حتى لا يضطروا المشي، إلا أن قرار جيش الاحتلال في المنطقة بات يحظر تحركها بمركبتها من وإلى المكعبات.
"أوقفني أحد الجنود وأبلغني أنه لا يمكن أن أتحرك بسيارتي هنا وأحضر طفلتي، ولكني أخاف عليها كثيرا، ولا أستطيع تركها تذهب وحدها منذ عدة أيام.
عندما استعيد المنزل
أوائل الثمانينيات أقيم معسكر جيش الاحتلال تزامنا مع بدء توسع مستوطنة "عوفرا" المقامة على أراضي بلدتي سلواد وعين يبرود، وغادة تحارب يوميا في حماية المنزل المقام منذ عام ١٩٦٤، الذي ورثته عن والدها، كيف لا ومعسكر جيش الاحتلال يحاذي جدران المنزل.
"تم مصادرة المنزل والأرض بذريعة أنها أملاك غائبين، إلا أنني استطعت استرجاعه، وعشت فيه أنا وزوجي وعائلته لنحميه من المصادرة"، تروي غادة، مبينة أنها ضحت بالحياة الرغيدة التي كانت تعيشها في الإمارات وعادت لتحمي المنزل بناء على وصاية والدها.
وتبين أبو حطب أنها ليست المرة الأولى التي يتم محاصرة منزلهم ومنزل عائلة محمد حامد، فإبان الانتفاضة الثانية تم إغلاق المنطقة لثماني سنوات، إلا أن العائلتين أصرتا على التواجد في منازلهم لحمايتها، وكانتا تتنقلا مشيا على الأقدام.
"الظروف الآن اختلفت، نمشي ونحن حاملين أروحنا ونخاف اطلاق النار علينا، لم نعد نشعر بالأمان". عندما مرضت مريم على المكعبات الاسمنتية وقف رائد عاجزا غير قادر الوصول لطفلته مريم (٣ سنوات) والتي أصيب بارتفاع مباشر بحرارتها، "وقفت عند المكعبات جارتي لتحضر طفلتي بمركبتها إلى المكعبات ثم انقلها أنا إلى المركز الطبي في البلدة .. هذا مرهق جدا نفسيا ومعنويا لنا" يقول رائد لـ "قدس الإخبارية".
ويبين رائد أن قوات الاحتلال اقتحمت منزلهم وصادرت تسجيلات كاميرات المراقبة، "أقر لنا ضابط الاحتلال أننا أكثر المتضررين من الإغلاق وأخبرنا أنه خلال فترة قصيرة سيتم فتح المدخل" إلا أنه وفي اليوم التالي تفاجئ رائد وعائلته بإغلاق قوات الاحتلال المدخل المؤدي إلى قرية عين يبرود، وتعزيز اغلاق البوابة المؤدية لشارع ٦٠ الاستيطاني.
"نمر مشيا على أقدام ونحن نخاطر بأرواحنا وخاصة طلبة المدارس .. إلا أنه لا يوجد تحرك جدي لحل هذه الأزمة التي نمر بها، ونعاني من تهميش رسمي وتقصير من المؤسسات المسؤولة" يعلق رائد.
ممنوعون من توزيع الغاز
محمد حامد (٦٩) عاما والد رائد، يبين لـ "قدس الإخبارية" أنه يقطن في المنطقة منذ عام ١٩٧٨، وقد عانت عائلته من تضييقيات جيش الاحتلال وخاصة في الانتفاضة الثانية، حيث كانوا يضطروا لسلوك طرق طويلة وصعبة وصولا إلى داخل البلدة، "٨ سنوات ونحن نصعد جبل وننزل جبل حتى اهترائنا من التعب".
محمد يعتبر من أوائل الحاصلين على وكالة توزيع الغاز في بلدة سلواد، وقد ورث هذه الوكالة لأبنائه، إلا أن تواجدهم في المنطقة يشكل تحديا أمامهم في ممارسة مهنتهم، " نعلم أن منع التجوال عن البلدة يجب أن لا يطال موزع الغاز، إلا أنه اليوم منع التجوال يستهدفنا نحن، وهو ما يشكل عائقا أمامنا لتلبية حاجة أهالي البلدة".
تضييقيات الاحتلال لا تتوقف هنا فقط، فتحرك أفراد الأسرة بحاجة لأمر من جيش الاحتلال في ظل إغلاق المنطقة، فهم اليوم ممنوعين من سد أبسط احتياجاتهم في الوصول إلى محل بيع الخضروات، كما محرومين من الوصول الطبيب والمدارس. "مطالبنا الوحيد هو فتح طريق البلدة لنتمكن من التحرك بحرية، والحصول على احتياجاتنا الأساسية ... نحن لم نرتكب أي ذنب ليرفض علينا هذا العقاب".