شبكة قدس الإخبارية

عام.. والانتفاضة مستمرة

شذى حمّاد

رام الله – خاص قدس الإخبارية: ضربات في خاصرة الاحتلال، سددها الفدائيون بتنفيذ أكثر من (٢٠٠) عملية فدائية خلال انتفاضة القدس منذ اندلاع أولى شراراتها في تشرين أول 2015، انتفاضة روتها دماء 248 شهيدا من بينهم 59 شهيدا من الأطفال.

نهاية شهر تموز من العام السابق شهد جريمة أحرق مستوطنون منزل عائلة دوابشة، وبعدها تسارعت الأحداث، ففي شهر أيلول نفذت عملية "إيتمار" التي أسفرت عن مقتل مستوطن وزوجته قرب نابلس.

thumb-1

وبالساعات الأخيرة من 21 أيلول الماضي، استشهد ضياء التلاحمة خلال زراعته عبوة ناسفة لجنود الاحتلال قرب قرية خرسا جنوب الخليل، فانتقم صديقه مهند الحلبي منفذًا عملية طعن فدائية في بلدة القدس القديمة في الثالث من تشرين أولى، لتتوالى إثرها العمليات الفدائية معلنة بداية الإنتفاضة.

[caption id="attachment_100997" align="aligncenter" width="600"]9998632738 جنازة الشهيد مهند حلبي في رام الله[/caption] [caption id="attachment_100998" align="aligncenter" width="600"]cf02ec780a318de9f088d648fee5aa72 الشهيد ضياء تلاحمة[/caption]

إحصائية حديثة أظهرت أن إجمالي العمليات بلغ 228 عملية فدائية، وإن 37% من منفذي العمليات تحت سن العشرين، مشيرة إلى أن محافظة الخليل احتلت المرتبة الأولى بنحو 40% من منفذي العمليات، تلتها رام الله التي خرج منها 25% من المنفذين.

أذرع الاحتلال فشلت في الوقوف بوجه العمليات الفدائية وإحباطها، وكيف يكون ذلك فالمخطط للعملية، ومنفذها، المتخذ قرار تنفيذها (وقتها ومكانها)، الداعم اللوجستي لها، هو شخص واحد.

محلل الشؤون الإسرائيلية، علاء الريماوي يبين لـ قدس الإخبارية، أن الاحتلال يواجه عقدة كبيرة في مواجهة العمليات الفردية، وخاصة أنها ليست كالعمليات التنظيمية التي يمكن كشفها من خلال تعقب الاتصالات، "الاحتلال أقر بصعوبة مواجهة العمليات الفدائية، وصرح قادة الاحتلال أنهم لا يستطيعوا الدخول لأذهان الفلسطينيين والاكتشاف من يخطط لتنفيذ عملية".

تحول الحالة المجتمعية إلى حالة منتفضة غالبا ما يفشل الاحتلال بواجهته والتصدي له، فيؤكد الريماوي أن عشرات العمليات الفدائية التي نفذت في انتفاضة القدس أوقعت الاحتلال في مأزق، دفعته للتفكير ببعض الحلول كأن يضع الجندي ربطة وقاية على رقبته تحميه من الطعن، أو تحذر المستوطنين من الوقوف في الطرق، وتوزيع التعزيزات العسكرية ببعض المناطق.

نتاج العمليات الفدائية لا يقيم بكم الخسائر المادية التي ألحقت بالاحتلال، فقد نجحت بتسجيل أربعة متغيرات أساسية، يختزلها الريماوي "أولا بإبقاء حالة رافضة للاحتلال، ثانيًا إعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني كما أعادت قضيته للواجهة الدولية، إضافة أن الحالة المنتفضة أعادت تربية الشعب الفلسطيني على كراهية الاحتلال وأنشأت جيلا جديدا مقاوما، وثالثًا اثبت الانتفاضة للاحتلال أن الضفة ليست جنة له كما اعتقد".

[caption id="attachment_100999" align="aligncenter" width="600"]151017074950gp8p الشهيد إياد العواودة يطعن جنديًا في الخليل[/caption]

تختلف المسميات التي أطلقت على انتفاضة القدس، إلا أن ما أجمع عليه أنها جزء من الانتفاضة المستمرة بوجه الاحتلال، فيصف الدكتور في العلوم السياسية والكاتب أحمد قطامش لـ قدس الإخبارية، أن ما يدور هو "مواجهة شبابية نخبوية للمحتل، وليست انتفاضة شعبية جماهيرية، ولكن تحويله من نخبوي إلى جماهيري غاية في اليسر إذا توفرت بعض المقومات التي يمكن الاستدلال عليها من الحالة الشعبية المنتفضة عام 1987".

العمليات الفدائية وعلى مدار العام حافظت على وتيرة محددة، ويرى قطامش أنه لم تبذل الجهود الكافية للارتقاء بها من عمليات فردية إلى منظمة، فبقيت تتسم بالفردية والنخبوية، ما عدا ما كان يظهر من التفاف جماهيري في جنازات الشهداء، وبعض المواجهات والاحتكاكات هنا وهناك بين الحين والآخر.

سياسات الاحتلال الاستباحية على مختلف الصعد، استيطان استعماري قافز ومتواصل، أوضاع معيشية متراجعة، انعدام الأفق السياسي الساعي إلى دحر الاحتلال، ووصول أوسلوا إلى طريق مسدود باستمرار احتلال آراضي 1967، أسباب رئيسية يراها قطامش دافعا لاستمرار الحالة المنتفضة بأوساط الشعب الفلسطيني.

"يوجد فئات حيوية بالعادة تكون بأوساط الشباب تتقدم الصفوف تسعى لتحرر وتأمين مطالبها، لهذا السبب يوجد مخزون وشجاعة لاستمرار العمليات الفدائية الفردية النخبوية التي تباغت العدو دون أن يتمكن من كشفها مسبقا". يبين قطامش.

التحول إلى انتفاضة شعبية جماهيرية، يترتب عليه إعادة بناء الحركة الوطنية المكونة من مختلف الأطر والأحزاب الفلسطينية، يعلق قطامش، "الحركة السياسية الفلسطينية شاخت في مجمل مفاصلها وتفكيرها وادائها، لذلك مطلوب بناء الحركة التحريرية للمرحلة القادمة هو شرط التنظيمي القيادي لمواصلة المسيرة"، مشيرا إلى أن منفذي العمليات غير مؤطرين وإن انتمى بعضهم لأطر معينة، فإن تنفيذه للعملية الفدائية جاء كمبادرة وليس تنفيذا لقرار تنظيمي.

[caption id="attachment_101000" align="aligncenter" width="600"]thumb-2 مواجهات بين طلاب بيرزيت وقوات الاحتلال قرب "بيت ايل"[/caption]

لا يوجد أي محاولة للبناء على هذا الجهد الشبابي لأن القوى شاخت وباتت عاجزة وهذا إخلال بالحالة العامة، سببه الرئيسي وجود قيادات سلطوية وفصائلية تعيق التحول لانتفاضة شعبية عامة حسب ما يوضح قطامش، مضيفا، "هذا درس يمكن الاتكاء عليه بالمستقبل لمحاولة شبابية تملك وعيها وارثها وخبراتها ... فسيل من الأعمال الجريئة وما نتج عنها من خسائر بشرية ومادية أكد أن هذا الجيل لم يتم تطويعه".

"أي عمل مقاوم مزعج للاحتلال بصرف النظر عن جدواه والنتيجة المادية الملموسة"، يقول المحلل والكاتب ساري عرابي لـ قدس الإخبارية، مؤكدا أن عودة العمل المقاوم بعد انخفاض وتيرته يثبت جدوى العمليات الفدائية.

"على مدار عام لم تطور العمليات الفدائية لعدم تمكن فصائل المقاومة من استثمارها، فالعمليات الفدائية بطابعها الفردي ليست بتوجيه من التنظيمات او الفصائل وهذا مؤذي للاحتلال من جهة، ويقود كافة الشعب الفلسطيني لسياق المواجهة مع الاحتلال من جهة أخرى ... وهنا تكمن أهميتها".

ويرى عرابي أنه لا يمكن قياس ما يجري الآن بالانتفاضتين الأولى والثانية حيث ما كانت السلطة الفلسطينية موجودة وتقف أمام تحولها إلى حالة انتفاضية كاسحة كما الوقت الحالي، أما السبب الثاني هو ما تعايشه فصائل المقاومة من حالة انهاك واستنزاف جعلتها تفقد القدرة على الإمساك بزمام المبادرة.

"ما يجري هو حلقات في سلسلة من العمل المقاوم ... هي ليست مرحلة عابرة بل حالة مستمرة يمكن أن تختلف وتيرها بين الحين والآخر، ويمكن أن تنفجر فجأة"

أكثر من ٧٥٠٠ فلسطيني، اعتقل الاحتلال منذ بداية انتفاضة القدس، ضمن حملات اعتقالات عشوائية وأخرى منظمة طالت كافة بلدات وقرى المحافظات في محاولة لإجهاض المحاولة، فيما يبين الناطق باسم أهالي الأسرى المقدسيين أمجد أبو عصب أن اعتقالات الاحتلال  في العاصمة الفلسطينية طالت أكثر من (١٣٠٠) فلسطيني، (٤٥٪) منهم من الأطفال.

[caption id="attachment_101001" align="aligncenter" width="600"]thumb-3 مستعربون يختطفون شابًا خلال مواجهات في مدينة البيرة[/caption]

"استهداف الاحتلال للمسجد الأقصى والاعتداء على المرابطات فيه كان سببا مباشرا لانتفاضة القدس، التي نفذ خلالها الاحتلال حملات اعتقال واسعة في المدينة، معتمدا على فرض القبضة الحديدية" يقول أبو عصب.

[caption id="attachment_101004" align="aligncenter" width="600"]alaqsha11 جنود الاحتلال يعتدون على النساء في الأقصى[/caption]

وأوضح أن الاحتلال طال باعتقالاته الأطفال، وسعى بشكل لافت لتغيير القوانين، حيث سن قوانين تتيح له اعتقال من هم دون الـ ١٤ عاما وتحويلهم لما تسمى مراكز إصلاح إسرائيلية، فيما رفع أحكام إلقاء الحجارة وحيازة السكين (٤-٩ سنوات)، إضافة لفرض الغرامات المالية الباهظة التي بلغت أقصاها (٨٠) ألف شيقل.

في النهاية يجمع المحللون أن "كل محاولات الاحتلال باءت بالفشل، فالعمليات الفدائية متواصلة، رغم كل الاجراءات من احتجاز جثماين الشهداء وهدم منازل عائلاتهم والتنكيل بهم، وباقي العقوبات التي تطول قائمتها".