فلسطين - قدس الإخبارية: حدّثت شركة أبل أجهزتها، وأصدرت جهازا جديدا؛ هكذا تواكب الشركات التطورات التكنولوجية وتقدم كل جديد لتواصل تفوقها في عالم الهواتف الذكية؛ هواتف نقلت حياة الناس إلى مكان لم يكونوا يتوقعوه، وفي ذات الدرب تسير إسرائيل؛ تحدث تقنياتها الاحتلالية وأشكاله الفنية ووظائفه الحيوية؛ وآخر هذه التحديثات على سياستها في التعامل مع الفلسطينيين؛ هو تحديث جديد لتطبيق "روابط القرى".
وروابط القرى هذه هي حلقة الوصل التي اعتمدها الاحتلال في التعامل مع الفلسطينيين في شؤون حياتهم اليومية قبل مجيء السلطة؛ فكانت -أي الروابط- الوجه الفلسطيني للاحتلال، وكان العاملون فيها متهمون بالعمالة لأنهم يلتقون مع المحتل وينفذون رؤيته لإدارة شؤون الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة في ذلك الزمان.
روابط القرى هي حلقة الوصل التي اعتمدها الاحتلال في التعامل مع الفلسطينيين في شؤون حياتهم اليومية قبل مجيء السلطة فكانت الوجه الفلسطيني للاحتلال
اليوم وبعد 23 عاما على إعادة إنتاج روابط القرى على شكل سلطة لا تملك من أمر السياسة أو الاقتصاد شيئا، بل أضيف إليها المهمة الأمنية التي أتقنتها على أكمل وجه في الأعوام الأخيرة ثم ما لبثت أن تراجع دورها الأمني بفعل ضربات المقاومة الشعبية الفلسطينية التي انبثقت من تراجع دور العمل التنظيمي في الفعل المقاوم، فقد أصبح الاحتلال مضطرا للتفكير في مرحلة ما بعد السلطة، وللتمهيد؛ بدأ الاحتلال يروّج لفكرة إعادة روابط القرى بشكل جديد بعيدا عن السلطة ودورها، الأمر بدا جليا في النشاط الكبير لمنسق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة الغربية يوئاف مردخاي، الذي أنشأ صفحة على فيسبوك يتواصل من خلالها مع الجمهور الفلسطيني؛ فيلعن عن مواعيد استقبال طلبات التصاريح للعمل والسياحة في إسرائيل، ويذكر الناس بالقوانين الواجب الالتزام بها.
نشاطات مردخاي هذه لم تأت من فراغ عقله، بل جاءت لتنفذ سياسة أفيغدور ليبرمان وزير الحرب الجديد والمسؤول المباشر عن الوضع الميداني في الضفة والقطاع، والذي غيّر من خطابه اتجاه المنطقتين من منطق الضرب المبرح إلى منطق "العصا والكثير من الجزر"، جزر يراد من خلاله حل الأزمة الحالية من بوابة الانتعاش الاقتصادي المباشر، بمعنى أن التواصل مع الفلسطينيين يتم بعيدا عن السلطة وأجهزتها الإدارية؛ وبعيدا عن طاولة المفاوضات العقيمة؛ فالفكرة قائمة على منح الفلسطينيين مجموعة من التسهيلات الحيوية ليصبح لديهم ما يخافون عليه في حل أقدم أحدهم على تنفيذ عمل مقاوم.
لكن ما علاقة هذا المخطط الاسرائيلي بالانتخابات المحلية الفلسطينية؟
سؤال تجيب عليه حملة الملاحقة الأمنية من تحت الطاولة التي قامت بها أجهزة الأمن الاسرائيلية للمرشحين للانتخابات، تهديد بالاعتقال أو الترغيب بشراء جهاز آيفون الجديد -باهظ الثمن بالنسبة للفلسطينيين- مقابل الانسحاب من خوض العملية الديمقراطية، وهنا لا أتحدث عن الملاحقة الأمنية الفلسطينية الساخنة للمرشحين المناوئين للسلطة.
أريد للانتخابات المحلية أن تمرر وجوها جديدة لفكرة روابط القرى من خلال عملية ديمقراطية شرعية وقانونية، وظيفة هذه الوجوه تحسين المستوى الخدماتي للناس من خلال التعامل المباشر مع الإدارة المدنية الاسرائيلية في المناطق، وهكذا تعود إسرائيل لتشرف على إدارة الفلسطينيين من خلال بلديات ومجالس قروية منتخبة، هذه الفكرة تعثّرت بعد قرار حماس المفاجئ، فمشاركة الحركة اضطرت الفصائل للدخول بكل قوتها في العملية الانتخابية، وترشيح أفضل الوجوه لديها -وطنيا وإداريا- الأمر الذي ضيّق الخناق على أصحاب مشروع روابط القرى، فهؤلاء لن يحصلوا على شيء يذكر مقابل شخصيات وطنية فصائلية -بغض النظر عن توجهها السياسي- معروفة للمجتمع الفلسطيني. بالتالي توقف العمل بالانتخابات لحين إيجاد مدخل آخر لهذا المشروع نحو الشارع الفلسطيني.
مفاجأة حماس جاءت لتزيح عن كاهلها عبء العمل الخدمي المرهق في قطاع غزة في ظل الحصار المطبق عليها منذ عشر سنوات، ومحاولة الحصول على شرعية شعبية في انتخابات الضفة الغربية وإن كانت الحركة لم ترشح أعضاءها على شكل قائمة فاقعة اللون الأخضر، بل دعمت قوائم قالت إنها مهنية وشبه مستقلة.
المفاجأة والتعثر عبّر عنهما بشكل فاقع اللون القيادي في حركة فتح جمال الطيراوي عندما صرّح أن حماس مارست الابتزاز السياسي وأن موقفها لم يكن "وطنيا" بقرارها المشاركة، وما يقرأ من بين سطور هذا التصريح هو أن السلطة سُحيت من تلابيبها نحو هذه الانتخابات لتمرير المشروع الاسرائيلي، بتواطؤ مع الاحتلال -وهذا ما استبعده- أو بتعطش نحو تحقيق نجاحات في الصناديق المحلية بعد التعثر في صناديق الجامعات.
أين دحلان من كل هذه الطبخة؟
تحت ضغط الإقليم العربي؛ دارت أو كادت عجلة المصالحة بين دحلان والرئيس محمود عباس فأُعيد عدد من المفصولين من حركة فتح والمحسوبين على القيادي المشاغب، توقفت العجلة عن الخطوة الحاسمة وهي عودة دحلان بنفسه، بعد رفض أبي مازن المطلق لهذه العودة، فقرر عباس إعادة هؤلاء المفصولين معتقدا أنه سيفكك المحيط القوي لدحلان، بينما يرى الأخير أن عودة رجاله ستمهد له، وسيستقبلونه عندما يعود بقوة في المرحلة المقبلة.
دحلان الذي تنظر له إسرائيل على أنه الحل الأمثل للأزمة، والبديل القوي لعباس سيأتي على سجاد من الجزر الاسرائيلي، ليكون الوجه الأقوى لروابط القرى بنسختها المحدثة.
مع توقعي بأن السيناريو الأنسب هو قدومه كرئيس لمنظمة التحرير بعد استقالة الرئيس منها؛ فلا مدخل له على رئاسة السلطة في ظل الفراغ الرئاسي الذي لن يشغله رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عزيز دويك لأنه سيمضي -فترة حكمه الانتقالية- متنقلا بين سجون الاحتلال، بالإضافة إلى أنه سيبقى محصورا في منصب رئيس السلطة الابنة العاقّة لمنظمة التحرير، التي ستعود للاستخدام بالشكل المحدّث مع رئيسها الجديد.