شبكة قدس الإخبارية

حلب وغزة رفيقتان

نيرمين الجدي

سامحيني، حبيبتي الشهباء العتيقة، صور أطفالك الممزقة، والعجز الذي يحيط شبابك حين يحتضنون أشبالهم الموتى بشدة، صارخين ومناجين بكل معاني الحسرة، لعلهم يستيقظون من سباتهم، تقض مضجعي.

شعور الفقد المبهم، والبحث عن اللاشيء، جعل انتظاري الصباح في ليل غط بالظلم، كانتظار الميت لمعانقة ميت. يا إرث الغوالي أنت، أي ألم أصابك يا حبيبتي؟ ماذا حل بك، بعد أن انتقل السرطان إلى قدك الجميل؟

تتعدّد حسرات قلبي، فأمس ذبحت "غزتي"، ونبتت الحياة بأطراف صغارها من جديد، ويقفز السكين اليوم لحبيبتي الشهباء كي تلقنها درساً موجزه: لا تبكي، فلن يعود صلاح الدين؟ ماذا ستفعل تلك الكلمات وأخواتها من أشخاصٍ استيقظوا على الألم، فلم يعرفوا لحظة ما هو السلام الذي تغنى به الجميع، وأصبح أداة للتقسيم.

قضيت الليل أقلب أوجاعي، أحاول أن أدثر أطفالي بغطاء يحميهم شر البرد هذه الليلة، أحاول أن أتخطى حالي الموجوع لصور ثكالى سورية التي تخطت عقلي، مخترقة قلبي المدجج بالحزن والحسرة، مسانداً الحلبيات العاجزات الصارخات، لفقدهن أطفالهن، أي اشتياق ذاك الذي يصيبهن، حين يبحثن وينادين على أحبابهن، فلا من مجيب، ولا من صوت، ولا من شيء؟ حتى اللاشيء بات مفقودا.

حتى الصباح ينادي إخوتنا العرب من كل نوافذ الإشراق: أن أنقذوا حلب. لم يبق جزء غير متآكل في طفلتهم المدللة، جرحها ينزف، والكلاب حولها تسعر، والخونة قد جاؤوا إليها من بلاد العهر.

الشهباء مكللة بالعجز، كيف لها أن تدافع عن نفسها، وتحتضن وليدها لتسند شيخها، فقائدها يقتات على دماء أطفالها، ويساعده الغزاة في تدمير تراثها، وإنهاك معالمها، وحرق جمالها لينهي بعد حين حضرتها.