شبكة قدس الإخبارية

انتخابات و خيبات!

لما رباح
اليوم (1) - الدعاية الانتخابية كنتُ قلقةً لأنّي تأخرت قليلاً على قسطي الأسبوعي من القراءة في المكتبة، و في التاسعة صباحاً وصلت إلى الجامعة، تلاشى قلقي من التأخير و بتُّ مرتعبةً من هول المنظر و من السائق المذهول، و الذي نسي المقود و صار يحدّق في الرايات الضخمة أعلى مباني الجامعة. كتلة الشهيد ياسر عرفات، الكتلة الإسلامية! و أنا "خف عقلي"، و باتت كتلته غرام و نصف!! عزمتُ أمري بعد رؤية الجامعة تتشح بالألوان و الشعارات، أن أتعامل مع الانتخابات بكلّ حيادية، و أن أذهب إلى المكتبة بسلام. دون أن أدري، وجدتُ نفسي ألعن الميزانيات الضخمة التي ملأت الجامعة بالأصفر و الأخضر! أصفر و أخضر، بعض الأحمر، ثم أصفر و أخضر أصفر و أخضر !!! رايات، لافتات، دبابيس و الآتي أعظم. اللعنة على الأموال! من أين جاؤوا بكلّ هذا؟؟ لا عجب بأنّ القطب الطلابي الديمقراطي حين يقيم نشاطات محاربة للخصخصة، يقدّمون هم الهدايا! ليسوا بحاجةٍ لعرض حلول طويلة الأمد، فهم يملكون من المال ما يكفي للأبد! سأكون حيادية، سكتت. لكن آخ... اعذروني، من الصعب جداً عليّ أن أكون الشخص الذي يلبس الأزرق و يجلس وحيداً في المكتبة يقرأ روايةً ما! لم أمض سوى 15 دقيقة في المكتبة، قتلني الهدوء و قرّرت الرحيل. بعد 30 دقيقة أخرى، وجدتني أرتدي الكوفية الحمراء و القميص القطني الأسود: "لستَ مهزوماً ما دمت تقاوم- القطب الطلابي الديمقراطي". و من هنا بدأت الحكاية. خرجتُ من خانة الجمهور، و الفريسة المستقلة المحتملة للاستقطاب! و أصبحتُ دعاية انتخابية متحرّكة، و شعرتُ بأنني مراقبة، و كأنني أعلن انتمائي للجبهة الشعبية مع كلّ خطوة أخطوها! خفتُ قليلاً، لستُ أدري ان كنتُ بحاجةٍ إلى ملصق جديد للحكم عليّ! و رغم الخوف أكملت. بدأت الدعايات الانتخابية، أدّينا قسم الشهداء، و علم فلسطين يرفرف فوق ساعدي، و نحن نهتف:" نموت و تحيا فلسطين!". لطالما ظننتها هكذا!! "نموت و تحيا فلسطين"، لماذا غنّيناها في المدرسة:"نعيش و تحيا فلسطين"؟؟ "إذا متنا لمن تحيا البلاد"، و "اذا لم نحترق فمن سينير الطريق"؟على أية حال، سأتساءل فيما بعد عن هذا. قدّم القطب الطلابي الديمقراطي رؤيته و برنامجه الانتخابي ضمن مسرحيتين، أحدهما أحببتها جداً. كانت حواراً بين طالب مع ضميره. كلّ كتلة تحاول استقطابه، هناك من يحاول شراء ضميره عبر ملء معدته، و آخر عبر ملء جيبته، وحتى عواطفه الدينية لم تسلم من سوق الدعايات الانتخابية. فقرّر أن يصوّت في النهاية للوحيد الذي يخاطبُ عقله و يكترث به كطالب واعٍ قدراته العقلية تُحترَم! تكرّر عرض هذه المآخذ من الجميع لاحقاً، فتبيّن لي أنّ الجميع يعلم عن الدفع مقابل الصوت، أو استغلال الدين لتسويق سياسات معينة، حتى أنّه أصبح من غير المدهش استخدام هذه التعليقات، لأنّ التصرفات موجودة، الكلّ يتحدّث عنها و يبدو أنّها لم تتغير (ليش الغلبة؟). و بالتأكيد، للوهلة الأولى ظننتُ ادّعاء القطب للكمال مجرّد شعارات، إلى أن قدّموا توضيحاً عن برنامجهم الانتخابي بكلّ رقي: (التمثيل النسبي و ليس اكتساح المجلس، نبذ سياسات الخصخصة و إقصاء البرجوازية، العمل على تعليم تفاعلي ديمقراطي، يساهم فيه الطالب، وثقافة وطنية لتعزيز مفاهيم المقاومة و المسلّحة منها خصوصاً). وصفوا نشاطاتهم المتواضعة ضمن إمكانياتهم مثل بيع شطائر بسعر زهيد جدّاً، و كتب بنصف السعر، و التي وصفتها كتلة "فلسطين للجميع" ب: "وزّعولهم القطب كم رغيف خبز، بفكروا حالهم طعموا الجامعة، ولّا يعني هالكم كتاب الحمر بنصّ السعر! شو عملوا دخلك؟؟" كما قلّدت "فلسطين للجميع" الكتل، حيث قدّم العريف: الآن مع ممثل حماس (يلبس وشاح حماس): " السلام عليكم، صوّت لنا يا أخي لتدخل الجنة!" الآن مع ممثل الشبيبة (يلبس كوفية فتح): " شو رأيك بكرت جوال؟ نبعتلك لحمة ع السكن؟" الآن مع ممثل القطب (يلبس كوفية حمراء): " وين يا برنس يا كبير، و الله لنكيّفك بالجااامعة!" استغبيتموني كمشاهدة، أعرف الفرق بين المسرحية و المهزلة، و أعلم جيداً أنني ذكية كفاية لأعلم مثلاً أنّ وشاح حماس يعني أنّ هذا ممثل حماس! لا أحتاج لتقديمك الرائع يا صديقي. ثم إنني ربما غبية في أنني لم أفهم تلميحكم السياسي الايدولوجي في "كيفك يا برنس و الله لنكيفك بالجامعه؟". و أشكركم على عملكم الفني الثاني الرائع، الذي شاهدتُ نصفه و تهتُ بين الحرّ و الضحك! مباراة بين حماميسو و فتاتيحو و فلسطينيو! و المعلّق يعلّق! قُطعت أذني إذا فهمتُ ربع نصف واحد بالمئة من الفكرة! أقولها لكم، تأكدتُ حقاً إنني مشاهدة غبية! أو لا سمح الله العرض غبي. انتهتْ متاهة "فلسطين للجميع" ( لا يغرّكم هول كلمة "الجميع"، الجميع طلعوا 5 ). حان وقتُ الشبيبة! كنتُ أنتظرها من أيام... لكن صدقوا حين قالوا "شمسهم لا تغيب!" و من شدّة الحرّ لم أشاهد ما قالوا و لم أسمع! و ذهبتُ للجلوس في الظل... رأيتُ فقط راياتهم العملاقة، و سمعتُ هتافاتهم التي تحاكي ستاد في عزّ مباراة الأمعري مع جبل المكبّر، و تصفيق تصفيق تصفيق! علمتُ لاحقاً أنّهم لم يقدّموا مسرحية، و اكتفوا بالحديث. على كلٍّ، سأشاهدهم في المناظرة و أملأ عينيّ منهم. و عدتُ من استراحة الظلّ إلى فقرة حماس، و زرعتُ نفسي في قلب الحدث. تحدّثوا في خطابٍ طويل عن انجازاتهم و نشاطات الطلبة التي أقاموها، و لم ينسوا أن يصرخوا في بداية كلّ جملة:"و قُصفت تل أبيييييييب". كان من الممتع حقاً أن نتحمّس سوية و نحن نشاهد المسرحية الساخرة الجريئة، و حصل ما هو طريف جداً، ضحكت بكوفيتي الحمراء على مشهدٍ تهزيئي لفتح مع فتاة لا أعرفها بجانبي بحجابها و جلبابها و وشاحها الأخضر، ضحكنا حقاً، ثم تداركتْ الأمر،"نحن مختلفتان" و أشاحتْ بنظرها بعيداً. و ابتسمتُ بمرارة على العداوات التي نضع أنفسنا فيها، لكن (عدو عدوك صديقك)، هكذا بدا الأمر معها. من الطريف أيضاً كيف هلّل الجميع، ناظرين إلى السماء و فيها طائرة ورقية للكتلة تطير : الله أكبر الله أكبر! ضحكتُ حينها حتى دمعت عينيّ، هلّل الجميع و كأنّها معجزة إلهية! و كأننا نسينا للحظة أن الطيارات الورقية لا تطير وحدها! يا إلهي، كان يوماً متعباً جميلاً مليئاً بالدهشة. اليوم (2)- مناظرات استيقظتُ متحمسةً جداً، فأنا على وشك حضور حدثٍ مهمّ في حياتي الجامعية، و لأول مرّة. أحسستُ بجدّية الموضوع حين علمتُ أنّ هوية المُناظر عن أي كتلة سريّة! و ليس مُعلن عنها إلا في لحظة بداية المناظرة. وبعد مسيرة للكتل، و هتافات، بدأتْ المناظرة، و يا ليتها لم تبدأ. شاهدتُ عرضاً مكثّفاً لبرنامج "اردح بأقبح الكلام في سبيل تعزيز الانقسام". كان من السخيف و المزعج و المُخجل أن أشاهد مشاداتهم الكلامية. ضخّم مُناظر الشبيبة الفتحاوية صوته ليصبح مناسباً لشخصية في أحد مسلسلات الكرتون، و شبيهاً بصوت شخصية لعبتها نورمان أسعد في مسلسل جميل و هنا*. (لا أفهم الجوهر من وراء الصوت المصطنع الذي نسيه أحياناً و عاد إليه بعد تجريب عدة نبرات). و بدأ يقتبس من الزّهار، الذي هاجمه لأنه لا يريد مصالحة، وانظر هنا إلى تقريب وجهات النظر للحرص على المصالحة! هاجم عزيز دويك الذي فرّق بين السلطة وحماس بأنّ الأولى تريد تعرية أفخاذ نسائنا و الثانية تريد سترها، علاقة حماس مع قطر و الاخوان كانت موضع نقدٍ أيضاً، و أخيراً ثقافة الموز التي تتأصل في صفوف حماس! فقدّمت الشبيبة لمُناظر الكتلة موزة مقشرة لإهانته. ضحكتْ الجموع. ردّت الكتلة الاسلامية رافعةً صورة لكونداليزا رايس تُقبّل أبا مازن، و أشارت إلى التنسيق الأمني و عدد منتسبي الأجهزة الأمنية الكبير في صفوف الشبيبة. تفاجأتُ من أسلوب مُناظر الكتلة الاسلامية! كنتُ أظّنه رزيناً أكثر من أن يميل إلى الأمام و يسخر من الشبيبة بنبرة صوت ناعمة كطفلٍ يجاكر: "يا جند الرئييييس". و أعاد سؤالاً أكثر من 3 مرات مقتبساً من جمل الرئيس محمود عباس:" هل اسرائيل وُجدت لتبقى؟ إذا أجبت بنعم فانزل عن المنصة! و اذا أجبتَ بلا فاجرؤ على أن تتبرأ من رئيسك!" تم ذكر صفد أكثر من مرّة للتذكير بتنازل أبي مازن عن العودة إليها و هي بلده. و طالبت الكتلةُ الشبيبةَ بالاعتذار لميسرة أبو حمدية، لأنّ مُناظرها لفظ اسمه: ميَسّر على شاكلة شخصية مضحكة في مسلسل تركي رائج! بغضّ النظر عن أنّي أوافق الكتلة و الشبيبة في الكثير من المآخذ التي طرحوها، إلّا أنني أجد أسلوبهم مقيتاً! و ساخراً من قدرتي على التفكير أكثر من كونه ساخرأ من بعضهم. مع أنّ القطب الطلابي الديمقراطي تحدّث عن برنامجه الانتخابي و تجنّب ذمّ الكتل الأخرى بالقدر الذي وصله الآخرون، إلا أنّه لم يلاقِ حتى ردّاً من المناظرين، طبعاً سوى من كتلة "فلسطين للجميع"، التي قدّمت مشهداً هزلياً أقرب إلى الستاند أب كوميدي من المناظرة، و زاودت على البقية كلّهم، و لم يردّ عليها أحد أبداً! كانت الأسئلة التي طرحتها العمادة شبه عديمة الفائدة، فلم تتم الإجابة عليها و المزاودات كانت معدّة مسبقاً. انسحبتُ من بين الجموع عندما فقدتُ قدرتي على الضحك المرير، و رحتُ أجلس بعيداً، خائبة الأمل في كلّ شيء. خابَ أملي في مصالحةٍ لن تتم على هذا الحال، و في اكتشافي ضرورة "الردح" و اعلاء النبرة للحصول على اهتمام من الجمهور، و بأنّ الأغلبية حسمت أمرها و صوتها قبل الدعاية الانتخابية و المناظرات. شعرتُ بالغباء... لا ليس الغباء، بل هي الخيبة وحدها الكلمة الناجعة للتعبير عن إحساسي. أعلم جيداً و على قناعة بما سأكتبُ في ورقة الانتخابِ غداً. سأطويها و أطوي هذه التجربة معها، لأكون السنة القادمة على الأقل بدون توقعات عالية عالية كي لا أقع على رقبتي و تنكسر.