شبكة قدس الإخبارية

و على حدّ قولهم: لننسَ المظاهرة و نسمّيها عاهرة

لما رباح

لم أستطع إلّا أن أدوّن عن الموضوع، و لم أستطع أن أتغاضى عن الغصّة! أنا لستُ صحفية و لم أكد أكمل عامي الأول في دراسة الصحافة. و هذه المدونة تعبّر بالضرورة عن رأيي فقط، و لستَ مجبراً بقراءتها! و بعد التوضيح أبدأ.

صباح الخيبة، موقفي واضح من المفاوضات، و لا أحتاج الانتماء لحزبٍ ما لكي أعبّر عن رأيي، حسب ما أرى و منذ خلقت و المفاوضات جارية، لم تأتِ لي حتى بنصرٍ واحد أفخر فيه، و لا أحبّذ أن نعيش في دولةٍ مجزأة تحدّها "اسرائيل"، و لا أريد أن يصحو أطفالي في نوافذهم صورة مستوطنة، و على مسامعهم تروى حكايات الفشل.

خرجتُ في المظاهرة البارحة و كلّي أمل أن يتغيّر كلّ شيء، صدقاً! أخبرتُ أصدقائي بأنّ هذه شرارة حدثٍ كبير! سننتفض يا أحبائي! أتعلمون ضخامة ما حدث؟ استشهدَ ثلاثة شبّان في قلنديا! على مشارف مدينتنا! نعرفهم و نحفظ حكاياتهم عن ظهر قلب! هناك رصاصة استرقت حياة شابٍ في عسكر! "هذه ليست شرارة، هذه شعلة ستحرق الأخضر و اليابس". فكّرت.

خرجتُ بأملٍ كبير سيهدّ جسدي يوماً ما إن بقيت على هذا الحدّ من التفاؤل، و مع أنّ المشهد يتكرّر لا أظن أنني سأعتاده يوماً، قوات الأمن بلباسها الأسود و دروعها الصلبة و الهراوات العفنة التي سرعان ما انهالت على الأجساد و الرؤوس حتى تفتح رأس باسل، و تفقد براء الوعي، و تسبب كدمة في جسد ريتا. خوفي منعني من الاقتراب من خط التصادم، خفت! خفت حقاً.

و كتبت: مش عارفة إذا مسموح أخاف. بس أنا خفت، خفت كثير. معقول الخوف لمّا 60 كاميرا موجّهة ع المظاهرة، إشي منها صحافة و إشي منها "دليل إدانة" أو مصادر معلومات، أو إضافة ع ألبوم المخابرات؟ معقول الخوف لمّا أسمع صوت زميلتي عم تنضرب بأول المظاهرة بهرواة معفّنة لأنها بتهتف ضد التطبيع؟ معقول الخوف لمّا يكونوا أفراد الأمن لابسين مدني و بيننا! و فجأة تلاقيهم اعتدوا ع واحد بالضرب. معقول الخوف لمّا الناس بتنضرب و حناجرها بتهتف و جمبنا فيه ناس بتتعشى في الkfc مش سامعين الصوت!

معقول الخوف لمّا يقرّر الوجه المعروف بالمظاهرة إنو يصير دبلوماسي! و يتناسى إنو المفاوضات أسلوب الحل الوحيد عند السلطة برئاسة محمود عباس و يحكي "الله يسامح إخوتنا في الأمن، و بدناش نشخصن الأمور، إحنا ضد نهج أوسلو بدناش نسقط أبو مازن!". معقول الخوف لمّا أشوف صديقي إيده انكسرت، و صديقتي ما تحملتش تشوف أخوها مضروب ع راسه و غضبها كان أكبر قوة شفتها بالعالم.

الي بخوّف جد إنو بعيد عن المظاهرة ب 3 دقايق مشي، الدنيا هادية و الناس بتتسوق و بتاكل. الي بخوّف انو البلد بتنسرق كل يوم و الطالعين بالمظاهرة همّه همّه الي بطلعوا فيها كلّ مرة! و للأسف صرت أخاف من ناس طالعين بالمظاهرة كمان! صرت أعرف بالزبط مين الي ماخدين البطولة دور و مين بطلعوا من قلب.

و لا أدري متى سأعتاد كلّ هذا و لا أفقد شهيتي للوطن كلّ مظاهرة.  بعد أن عدتُ للمنزل مثقلةً بالتساؤلات، وجدتُ الجميع يتحدث عن المظاهرة، لا لا ليس عن المصابين، ولا عن المشهد ولا عن المندوبين ولا عن الهتافات، بل عن الفتيات في المظاهرة كيف شتمن الذات الإلهية و أمهات الشرطة. يعني و الله هذا بالضبط ما أسميه ما يدعو للبكاء و الضحك المرير.

دعونا ننسى أنّ هذه الشتائم نسمعها في الطرقات يومياً ألف مرّة، و في أقلّ حالةٍ يغضب أحدهم فيها على تعطّل سيارته مثلاً يفيض بشتائم أقبح ألف مرّة، و لننسَ أنّ الغضب ينسينا ما نقول، و لننسَ أنّ الأمر الجوهري للاحتجاج هو المفاوضات و ليس بعض المتظاهرات اللاتي لم يصنّ لسانهنّ! أنا بصراحة مطلقة، لم أقترب كفاية لأسمع الشتائم، و لكن عندما شاهدتُ الفيديو شعرتُ بالقذارة تغمرني من أعلى رأسي حتى أخمص قدميّ!

لستُ على معرفة مسبقة بالفتاة التي شتمت، و أعلم أنّ هناك من شتمها أيضاً، لكنّها لا تمثّل سوى نفسها، يعني بالله عليكم سيتمّ نسيان الشهداء الأربعة و عشرين عاماً من الوقت الضائع و العديد من المتظاهرين الذين لم يفقدوا أعصابهم لأجل غضب هذه أو تلك! أرى إعادة لتظاهرات "ارحل ارحل يا فياض"! تم شطب كلّ مبادئ الاحتجاج و المطالب، لأجل الحديث انتقاداً لحرق الإطارات في الشارع!

أرجوكم يا أعزائي، أنا أعتذر بالنيابة عمّن شتمن، و لا أحتاج من يخبرني بأن قوات الأمن هم منّا و فينا! أعلم ذلك جيداً!و من يعرفني شخصياً يعلم أنّي لا أستسيغ الشتائم لا في لساني و لا مسمعي. و لكن لا تمنعوا بناتكم من التظاهر بحجة ما يقال، و لا تبقوا في منازلكم تنتظرون الحلّ السحري، و أرجوكم اعلموا جيداً و كما أقول دائماً: نحن جميعاً في قعر الجحيم، لكنّ بعضنا تحت المكيّف!

فلا تنتظروا أن يكون النعش يحمل ابنكم أو ابنتكم حتى تغضبوا، ولا تنتظروا السجّان ليختار من تحبّون ليزجّ به خلف القضبان! انتفضوا لكرامتكم، نحن شعب واحد، و لنا أرض واحدة فلا تدعوها تضيع.

و المجد المجد للشهداء، هنيئاً للتراب و السماء اللذين حظيا بكم.